تحليل سياسي قد نجد العذر للحركة الشعبية الحاكمة فى جمهورية جنوب السودان وهى تقدم – دون حياء سياسي – عرض شراء منطقة أبيي المتنازع عليها بين جمهورية جنوب السودان وجمهورية السودان والتي كان من المقرر حلها عبر استفتاء رفضته الحركة الشعبية دون مسوغات مقنعة. العذر الذى نلتمسه للحركة الشعبية هو ان ثقافة ( البيع والشراء) متمكنة منها تماماً ولا نري فيها غضاضة .فإذا أعلنا ان الحركة الشعبية وبمجرد إعلان نتيجة الاستفتاء التى قضت بالانفصال كانت قد انخرطت تماماً في توقيع عقود موثقة لبيع أراضي جنوبية خصبة غنية بالموارد لشركات أمريكية وأوروبية وإسرائيلية . جملة المساحة التي باعتها الحركة الشعبية حتى الآن - وفقاً لما ظهر فقط على السطح - حوالي 9% من مساحة دولة الجنوب. أما المقابل فهو مثير للضحك والبكاء معاً، حيث لا يتجاوز (بضعة ألوف) من الدولارات بما يشير الى ان الامر فى مجمله يبدو كسداد لفاتورة مؤجلة أو كمبيالة سياسية سابقة بهذه الجهات الدولية. الحركة الشعبية -انطلاقاً من هذه الثقافة وهذا المفهوم (السوقي)- اعتقدت ان بالإمكان فعل ذات الشئ مع حكومة السودان ولكن على نحو معكوس بحيث تكون هي المشترية هذه المرة والسودان هو البائع! وطالما ان الامر يتصل بفواتير، وبيع على هذا النحو فان من غير المستبعد تماماً ان يكون عرض الشراء على هذا النحو فى حد ذاته (شراء بالوكالة) لصالح جهات أخري، بمعني ان تكون هنالك جهة طامعة فى أرض أبيي وشديدة العجلة لوضع يدها عليها ولن تستطيع الانتظار لسنوات حتى تحسم المشكلة مع الوضع فى الاعتبار ان الحل ربما لن يأتي لصالح جنوب السودان ولهذا تريد ان تضمن سيطرتها عليها بسرعة ودفعت الحركة الشعبية لتقديم العرض. غير ان العرض فى حد ذاته يمكن أن يقرأ على هوامشه وخلفياته عدداً من المؤشرات التى لا تصب فى مصلحة الجنوب بحال من الأحوال. فمن ناحية أولي فان من الواضح ان العرض يلخص بإيجاز مخل موقف الحركة الشعبية القانوني والسياسي من ملكية المنطقة، ذلك ان المنطق لا يعرف أحداً يدعي ملكية شيء وفى الوقت نفسه يعرض ثمناً لشراء ذات الشيء! فحق الملكية حق أصيل وتأكيد الحق بالإصرار عليه والسير وراءه وملاحقته أدعي لتصديق المدعي والشعور بأنه صاحب حق، أما صاحب الحق الذى يتجنب ويتحاشى الطرق القانونية للحل ويسعي للمساومة بالمال فهو دون شك مشكوك فى أحقيته. ومن ناحية ثانية فان الحركة الشعبية تستعجل الحل بعدما مرَّ وقت أزداد الامر تعقيداً وليس هنالك من حل يلوح فى الآفاق. هذا الشعور مزعج للغاية للحركة الشعبية فقد أدخلت نفسها فى نفق ومأزق فى غني عنه لو أنها قبلت بالاستفتاء. ومن ناحية ثالثة تبدو الحركة الشعبية مدفوعة بضغوط من قبل أبناء أبيي فى قيادة الحركة أمثال دينق ألور ولوكا بيونق، إذ من المؤكد ان تجاهلها للملف يصعب ان يطول، فإذا طال فان تعقيداً سياسياً سوف يقع داخل الحركة الشعبية وربما يهدد تماسكها وسيطرتها على الأمور فى الجمهورية الوليدة. وعلى أية حال لا يبدو ان هنالك مخرجاً لحل هذه الازمة إلاّ بالعودة الى حل الاستفتاء وهذا يعكس سوء تقدير الحركة التى لو كانت قبلت به قبل عامين أو اقل لكان الامر مختلفاً الآن تماماً.