تحليل سياسي أقسي ما يشعر به المتمردون فى جنوب كردفان فى هذه اللحظات ليس فقط مرارة الهزيمة النكراء التى فنيت بها قواتهم على يد الجيش السوداني مطلع هذا الأسبوع، ففي المعارك العسكرية من الطبيعي ان تقع الهزائم بمثلما تحدث الانتصارات ولكن الجانب الشديد المرارة بالنسبة للمتمردين فى هذا الصدد أنهم فقدوا فى سويعات جهداً مضنياً من التحضير المضني الذى دام أشهراً؛ فبحسب مصادر مأذونه تحدثت ل(سودان سفاري) من حاضرة ولاية جنوب كردفان كادوقلي، فان المتمردين ظلوا يحضرون لهذا الهجوم – منذ أكثر من أربعة شهور- وعاونتهم فيه جمهورية جنوب السودان، ووضعوا فى ثناياه كل ما يملكون وكان رهانهم علي احتلال مدينة تلودي – عبر ثلاثة محاور مضموناً، ليكون خير تمهيد لاحتلال حاضرة الولاية كادوقلي ومن ثم الإعلان رسمياً عن سقوط ولاية جنوب كردفان فى أيديهم . ويبدو ان الجد قد اختلط شديداً جداً بالمزاح فى هذه النقطة، وان خيالاً خصباً هو مزيج من اليأس والجرأة أسهم فى إعداد هذه الخطة وتنفيذ هذا الهجوم. من بين أهداف الهجوم ايضاً تشتيت الجهد العسكري للجيش السوداني وسلبه تركيزه لتخفيف الضغط – ولو قليلاً – على متمردي النيل الازرق، فمعركة تلودي فى الواقع هى فى جانب منها معركة لصالح عرقلة سقوط مدينة الكرمك بالنيل الازرق التى يتحصَّن فيها المتمرد عقار والمرشحة للسقوط فى يد الجيش السوداني القريب جداً منها فى أى لحظة. ولابد ان نشير هنا بقدر غير قليل من الاستغراب ان عدد القوات التى تم الدفع بها لمعركة تلودي (ما بين 600 كما يقول المتمردون و 712 كما يقول الجيش السوداني) يشير الى ان واحدة من أهم واجبات العملية هو احتلال المدينة وتهديد حاضرة الولاية كادوقلي ولعل هنا تكمن مرارة الفشل لأن الخطة على هذا النحو غير قابلة للتكرار ولا التعديل على الإطلاق. هدف آخر يبدو ايضاً أنه كان مرجواً من وراء المعركة، وهو تسخين جبهة جنوب كردفان بالتزامن مع انطلاق مفاوضات القضايا العالقة بين جمهورية جنوب السودان والسودان، ذلك ان من المفروغ منه ان جمهورية جنوب السودان هى الداعمة الرئيس لمتمردي جنوب كردفان والنيل الازرق سواء لاتخاذ هذه الضغوط كورقة ضد الحكومة السودانية لحلحلة القضايا العالقة او من باب التباهي السياسي بدعم متمردين لهم صلة بالسلطة الحاكمة فى جمهورية جنوب السودان يطمحون فى تحقيق حلمهم المتعلق بسودان جديد . وعلى أية حال فان سفينة الأحلام هذه يبدو أنها قد تحطمت على صخرة الجيش السوداني الذى تمرَّس بما يكفي فى الإلمام بتكتيكات المتمردين المستقاة أصلاً من تكتيكات الجيش الشعبي بجنوب السودان الذى قاتلته الحكومة السودانية لحوالي العشرين عاماً وأذاقته أصنافاً من الهزائم أفضت فى النهاية الى جلوس قادته الى مائدة التفاوض والجنوح للسلم !