تحليل سياسي بقرار أحادي الجانب قررت حكومة جنوب السودان – قبل أيام – مصادرة أسهم شركة (سودا بت) السودانية العاملة فى مجال البترول لصالح دولة جنوب السودان. القرار أصدره رئيس جمهورية جنوب السودان سلفا كير على نحو مقتضب، ودون إبانة وإيضاح، لا لأسباب القرار ولا القانون الذى استند عليه، ولا حتى أُشير فى القرار الى السلطة المخولة للرئيس الجنوبي وفق دستور بلاده لإصدار مثل هذا القرار. وكما هو معروف فان شركة سودا بت هى الشركة السودانية التى عملت على القيام بكافة عمليات استخراج وتسويق وتصدير البترول السوداني، وقد تحملت الشركة – فى سبيل ذلك – العديد من الخسائر، كما ان أصول الشركة وفقاً للبيانات المتوفرة عنها تتراوح ما بين (مليار ونصف، وملياريّ دولار) موزعة على عدد من الشركات العاملة فى حقول النفط فى دولة جنوب السودان وهى شركات تضم ايضاً مساهمين من شركات صينية وماليزية. ويشير عدد من خبراء اقتصاديات البترول هاتفتهم (سودان سفاري) ان نصوص عقود الشركة تقتضي بأن تسترجع الشركة كافة خسائرها الاستثمارية منذ مرحلة التنقيب وما تكبدته من مصروفات وهذا ما بات مهدداً جراء قرار مصادرة أصول الشركة، ويشير خبير اقتصادي هاتفته (سفاري) بالعاصمة السودانية الخرطوم طلب حجب اسمه الى ان قرار مصادرة أصول شركة (سودا بت) فضلاً عن عدم مواءمته من ناحية التوقيت والظروف الحالية بالنسبة لدولة الجنوب التى تبحث لنفسها عن مسار اقتصادي و حَلّ لقضية بترولها، فهو يعطي إشارة سالبة للغاية للشركات العالمية العاملة فى كافة المجالات، ليس مجال النفط وحده، بأن حكومة جنوب السودان غير مأمونة الجانب ومن الممكن – كما فعلت بشأن سودا بت – ان تصادر أصول اى شركة تستثمر فى دولة جنوب السودان فى اى وقت ودون اى مقدمات أو أسباب وجيهة او غير وجيهة. فالشركات حول العالم - كما هو معروف - تتوجس من مثل هذه القرارات المفاجئة وغير المدروسة وتتحاشى عادة العمل فى مثل هذه المناطق خاصة اذا كان البلد الذى تعمل فيه لا يولي أدني احترام للقوانين المحلية او الدولية. الحكومة السودانية من جانبها أبدت أسفها للقرار ووصفته بأنه غير موفق وأنه يعرقل إمكانية حلحلة قضايا البلدين, وما من شك ان قرار حكومة الجنوب هذا يعتبر بكل المقاييس عدواناً اقتصادياً غير مبرر على السودان، ذلك ان مقصد حكومة جنوب السودان من وراء القرار هو هزّ الثقة فى الاقتصاد السوداني، ومحاولة الوقيعة بين الشركات المساهمة فى شركة سودا بت، وتعقيد الامر حتى يتدهور قطاع النفط نفسه تماماً؛ غير ان قدراً غير قليل مما يمكن ان نسميه (غباءاً اقتصادياً) يبدو لنا واضحاً بين طيات القرار، ذلك ان حكومة الجنوب كان بإمكانها إنشاء شركة مماثلة فى الجنوب تقوم عليها اقتصاديات نفط دولة الجنوب مستقبلاً خاصة وان حكومة الجنوب تظاهرت قبل أيام على لسان أمين عام الحركة الشعبية باقان أموم بأن لديها (مليارات الدولارات) وأن هذه المليارات هى على استعداد لتقديمها للحكومة السودانية مقابل حلحلة قضاياها العالقة معها. الامر الثاني ان حكومة الجنوب باتخاذها لهذا القرار أعطت الحكومة السودانية – للمرة الثانية فى غضون ثلاثة أشهر فقط – أدلة قطعية على أنها تود محاربة السودان اقتصادياً جنباً الى جنب حربها له بالوكالة عبر دعمها للحركات المتمردة الناشطة ضد السودان. ففي المرة الأولي، حاولت حكومة الجنوب إصدار عملة نقدية جديدة خارقة لاتفاق مبرم بين البلدين وكانت ترمي من وراء ذلك هزّ وزعزعة الأوضاع الاقتصادية فى السودان، وهاهي حكومة الجنوب بعد فشل تلك المحاولة تعيد الكرة بهذه الحرب البترولية الجديدة الامر الذى قد يؤدي الى اتخاذ الخرطوم لقرارات مماثلة شديدة الوطأة على الجنوب لن يحتملها ولو لساعات!