علي ذات خطي فاروق أبو عيسي في مجال سؤال السفارات الأجنبية ومطالبتها بتقديم الدعم لقوي المعارضة لتتمكن من إسقاط الحكومة, إلتقت هالة عبد الحليم زعيمة حركة (حق) بأحد مسئولي السفارة البريطانية مؤخراً طالبة منه تقديم الدعم لقوي المعارضة لتؤدي دورها. المسئول البريطاني بحسب الأنباء لم يقدم وعداً بذلك ولم يمتنع تاركاً الأمر (لجهات أخري) سيصلها لاحقاً تقريره الضافي لتقرر هي. والحكاية تبدو متكررة وباعثة علي الملل بعضها يظهر الي العلن ويُكشف عنه في وسائل الإعلام وبعضه تتم التعمية والتغطية عليه. ولكن دعونا نسأل السؤال التالي: ما هي قدرة قوي المعارضة - إذا ما تسلّمت الدعم المرجو - علي القيام بما قالت إنها قادرة عليه وهو إسقاط الحكومة السودانية؟ فإذا كان الدكتور الترابي أحد أضلاع هذا التحالف يقلل من وزن كل قوي المعارضة وأنها لا تستطيع - بمعزل عن الجماهير- فعل شيء, فما الحاجة إلي المال؟ بل لنضع السؤال بصورة أكثر سفوراً, ما هي طبيعة أوجه الصرف التي تصرف فيها قوي المعارضة إذا كانت هي نفسها تقرّ بأنها ضعيفة وما من حزب منها لم يطله إنشقاق أو خلاف؟ هل هذا المال مطلوب لدعم قادة هذه القوي المعارضة من أجل تحركاتهم لكون أن غالبهم عاطلين عن العمل؟ أم أنه مطلوب بغية (شراء أدوات) لأغراض التحرك ضد الحكومة؟ إن الأمر الغريب في هذا الصدد أن المسئولين الأجانب الذين يلتقون قادة قوي المعارضة يعلمون مسبقاً - قبل اللقاء - أن هؤلاء القادة المعارضين وقواهم الحزبية يستمعون إلي حديث عن الحريات والتحول الديمقراطي وحقوق الإنسان وهي مفردات متداولة في هذا الإطار ولكنهم رغم كل ذلك يقبلون من هؤلاء القادة الحزبيين أحاديث الدعم المالي ولا يذكروهم أن الدعم المالي - في هذه الحالة - ليس من بين عناصر نظافة اليد السياسية، فالذي يسعي لإسقاط سلطة سياسية في بلد فيه تعدد حزبي ومساحة ديمقراطية معتبرة لا سبيل له لإسقاط هذه السلطة إلا عبر صناديق الاقتراع. لم نسمع في يوم من الأيام أن مسئولاً أجنبياً, أو سفارة من السفارات العديدة التي درجت علي زيارتها قيادات قوي المعارضة نصحاً سياسياً أميناً, إن الطريق لإسقاط السلطة الحاكمة - خاصة إذا كانت منتخبة - هو طريق واحد فقط وهو المنافسة الانتخابية, ولهذا فحين يسمح مسئول أجنبي لنفسه أن يتلقّي طلبات دعم مالي من قادة معارضين فهو دون شك يسئ إلي نفسه ويسئ إلي دولته بصرف النظر عما إذا كانت دولته موافقة علي ما يفعله أو أنها راغبة في الدعم أو غير راغبة. من جانب ثانٍ فإن المعارض الذي يبني حساباته السياسية علي دعم يأتيه من الخارج فهو غير جدير بأن يُؤتمن سياسياً في المستقبل إذا قُدِّر له الوصول إلي مقعد السلطة لأن هذه - ببساطة شديدة جداً - بمثابة فاتورة مؤجلة باهظة وواجبة السداد خصماً علي مستقبل الوطن!