حسناً فعلت أحزاب حكومة الوحدة الوطنية بترشيح عمر البشير لرئاسة الجمهورية. صحيح وصل البشير للحكم عن طريق انقلاب عسكري، ولكن الصحيح أيضا أنه لم يستمرىء حكم القبضة العسكرية إلى النهاية بل بدأ يمهد طريقاً طويلاً لنظام ديمقراطي راسخ يتجنب عثرات التجارب التي أعقبت ثورة أكتوبر عام 1964م وانتفاضة أبريل عام 1985 م. التحول الديمقراطي بالنسبة للبشير لم يبدأ بإقرار القوانين التي نسميها في ثقافتنا السياسية الحالية بقوانين التحول الديمقراطي، بل بدأ منذ عهد بعيد : بدأ عندما حلت الإنقاذ مجلس قيادة الثورة بعد سنوات قلائل من هيمنة ضباطها على الحكم، ومن يومها بدأ التحول الديمقراطي في تطور بطيء لكنه آمن ومستقر. وعندما عينت الإنقاذ، في إطار ذلك التحول، رئيساً للجمهورية يتولى سلطات المجلس العسكري الحاكم، ولكن عهد التعيين استمر لفترة وجيزة وانتهى باللجوء لصندوق الاقتراع لإختيار رئيس الدولة بموجب دستور عام 1998 م. وعندما استحدثت الإنقاذ برلماناً معيناً (المجلس الوطني الانتقالي) بسلطات محدودة، لكن سرعان ما تمددت سلطاته وتوسعت صلاحياته ليصبح ذلك المجلس المحدود الأفق برلماناً منتخباً يتم اختيار أعضائه في دورات محددة ومعروفة. وعندما جاءت اتفاقية السلام الشامل (اتفاقية نيفاشا) أحدثت نقلة نوعية في التطور الديمقراطي. فالحزبان الرئيسيان اللذان أوكلت لهما الاتفاقية إنزال بنودها إلى الأرض نبعا من أصول لا تحبذ النظام الديمقراطي الليبرالي، وكانا حزبين مختلفين في كل شيء لكنهما مع ذلك قبلا الشراكة في تنفيذ الاتفاقية. كانت المسافة بين الحزبين بعيدة جداً سواء في الجذور البعيدة التي نبعا منها، أو في توجهاتهما السياسية، أو في طبيعة نظرتهما للمشاكل التى نتجت عن تنفيذ اتفاقية السلام، فضلا عن أن هذا حزب شمالي وهذا حزب جنوبي. قبل اتفاقية نيفاشا بدأ التحول من نظام الحزب الواحد الأقرب إلى النظام الشمولي .. إلى نظام التعدية السياسية الأقرب إلى النظام الديمقراطي .. ثم إلى الإعتراف الصريح بالأحزاب وهو الاعراف الذي أحدث انفراجاً واسعاً في قوانين الحريات السياسية والحقوق المدنية. وبعد .. أظنني قد ابتعدت قليلاً عما بدأت الكتابة فيه وهو الترحيب الحار بترشيح أحزاب حكومة الوحدة الوطنية لعمر البشير لرئاسة الجمهورية، طبعاً باستثناء الحركة الشعبية. وما كتبته أعلاه هو خلفيات مساهمات البشير بصفة رئيسية، في كل تلك التغييرات السياسية التي مهدت الطريق وقربت المسافة من هذا التحول الذي يرفع الجميع شعاره الآن. فمرحباً بالبشير رئيساً لإكمال التحول الديمقراطي. نقلا عن الراي العام 14/1/2010