أعلن رئيس دولة «جنوب السودان» سلفا كير في واشنطون التي تشهد فعاليات المؤتمر الدولي الخاص لهذه الدولة الجديدة أمام الملأ، أن الحكومة السودانية تسعى لنسف استقرار بلاده من خلال تقديم الدعم والتمويل للمتمردين ضد حكومة جوبا، وكأنه بهذا الإعلان يريد أن يكشف عن معلومات غائبة عن الإدارة الأمريكية والمجتمع الدولي كله. لكن بالطبع تبقى واشنطون على دراية بمجريات الاحداث في دولة جنوب السودان، وليست في حاجة الى أن يعلن لها سلفا كير عن هذا «الإفك»، خاصة أن أحد الامريكان الذي كان مبعوثا لها الى السودان وهو جون ونتر يتقلد دور المستشار السياسي لحكومة جوبا، وأظنه هناك بدرجة منصب «المستشار الألماني»، فالأمريكان في بلدان العالم الثالث وخاصة في دولة مثل «جنوب السودان» لا بد أن يكون لهم دور من مستوى «المندوب السامي»، او «المستشار الوصي» مثل ونتر. ولذلك تبقى تصريحات سلفا كير التي تحمل في هذا الوقت إفكاً وبهتاناً ضد الحكومة السودانية، ذات قيمة تطبيعية في العلاقات الدولية بين إسرائيل والحركة الشعبية التي تحكم جنوب السودان، ولا نقول بين إسرائيل وجنوب السودان لأنه محكوم بصورة غير ديمقراطية، وربما بعد الربيع الإفريقي هناك تنظر حكومة الثوار الجديدة إلى إسرائيل مثلما تنظر إليها حكومة فنزويلا، وفنزويلا ليست دولة إسلامية، فلا نضرب مثلاً بدولة إسلامية، لأن إسرائيل تبقى عدواً مباشراً أو في ثوب صديق لكل الإنسانية. وسلفاكير بعد حديث الإفك ضد الحكومة السودانية قدم دعوة على طريقة «عزومة المراكبية» للشركات الامريكية العملاقة للاستثمار في الجنوب السوداني، وحسب قوله بعدما رفعت واشنطون العقوبات التي كانت مفروضة على الاستثمار في النفط، لكن السؤال هنا: إذا كانت الحكومة السودانية تقوم بدعم نسف الاستقرار في الجنوب كما بهتها سلفا كير - ولا نقول اتهمها لأن الفرق واضح بين الإفك والاتهام الذي يقوم على قرائن فكيف يطيب لتلك الشركات الاستثمار في دولة جنوب السودان؟! ويمكن أن يكون رد الشركات لدعوة سلفا كير، هو إنك تتحدث عن انعدام استقرار من خلال اتهامك للسودان بالسعي إلى نسفه وفي نفس الوقت تدعونا للاستثمار هناك؟ هل هو استثمار في صيد حيوانات الغابة؟ إن الاتهام الذي يقوم على قرائن يكون مقبولاً إلى حين التحقق من الأمر، لكن حديث الإفك والبهتان يقود إلى الوقوع في التناقض كما قاد سلفا كير وهو يتحدث عن مساعٍ سودانية لنسف استقرار الجنوب، ويتحدث في ذات الوقت عن إمكانية أن تُستقدم الشركات الأمريكية للاستثمار في الطاقة. ويقول سلفا كير أيضاً إن جنوب السودان عازم على أن يصبح جزيرة استقرار في إفريقيا، وهذا في تقديري ليس مستحيلاً، لكن هل يمكن تحقيقه والحركة الشعبية هي الحاكمة وفق اتفاقية نيفاشا؟ إن التطورات على الساحة الجنوبية السودانية تؤكد أن تحويل الجنوب الي جزيرة استقرار في القارة لا بد أن يسبقه نجاح باهر لثورة الربيع الإفريقي التي يقودها قادة ومثقفون ومناضلون أدركوا بعد تراجيديا انتخابات عام 2010م في الجنوب. أن شعباً متنوعاً بقبائله وعاداته وثقافاته لا يمكن أن تحكمه مافيا إفريقية كل همها نهب عائدات النفط، وصناعة تمرد في السودان ليعيش هذه المرة مأساة «شرق وغرب» مثلما عاش قبل انفصال الجنوب مأساة «شمال وجنوب». وان كان هذا مستحيلاً بحكم الواقع، لكن محاولات تحقيقه تعني حلول الكوارث على الشعب. وليس من صالح سلفا كير ان يقدم حديث إفك ضد السودان كهذا، وهو في مناخ مؤتمر الاستثمار بواشنطون يقدم الدعوة للشركات العملاقة هناك لتستثمر في الجنوب، ثم أخيراً يبقى السؤال هو: هل يستحيل قيام الثوار الجنوبيين بنشاطهم دون الخرطوم؟! على السيد والطائفية حينما يقول المثقف البارز بالحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل الدكتور على السيد إن حزب الأمة القومي لم يشارك وإنما تم تعيين ابن الصادق المهدي مساعداً لرئيس الجمهورية محاولة من المؤتمر الوطني لإحداث المزيد من الانشقاقات لحزب الأمة، ولإيهام الناس بأن أحزاب القاعدة العريضة قد شاركوا في الحكومة، حينما يقول علي السيد بهذا، يكون قد قدم رؤية جانبها المنطق السياسي تماماً، لأنه بعد ذلك قال بنفسه إن ابن الصادق المهدي لا يمثل حزب الأمة، وإنه لا يعتقد أن الحديث عن تعيينه عبر حزب الأمة صحيح. ويقول السيد بكل عفوية كما يبدو : إذا كان هذا الحديث صحيحاً لحظي حزب الأمة بمشاركة واسعة في الحكومة، ولكن نحن نعلم أن عبد الرحمن الصادق المهدي قد ترك الحزب منذ زمن طويل والتحق بالقوات المسلحة، وبالتالي ليست له علاقة بالحزب ولا يمثل إلا نفسه. والسؤال الموجه إلى دكتور السيد هنا هو: كيف يستطيع المؤتمر الوطني أن يحدث المزيد من الانشقاقات داخل حزب الأمة كما قال من خلال تعيين شخص لا علاقة له بالحزب كيف يا دكتور يا مثقف يا محامي يا كبير يستقيم هذا منطقا؟! ومن هم الناس الذين يريد المؤتمر الوطني ايهامهم بأن حزب الأمة القومي (العظيم) مشارك في الحكومة من خلال ابن الصادق المهدي؟ ربما يريد الدكتور على السيد ان يخفي عن الناس لإيهامهم أن الاستفادة من قواعد الطائفية يمكن أن تكون بتجاوز الحزب إلى تعيين أبناء زعماء الطوائف، بمنطق إذا كانت الطائفية تقدس «الإمام» أو «المرشد» فإن هذا التقديس يرثه أبناء الزعماء. أما بالنسبة لقواعد الأحزاب الكبرى فلا يحركها في الشارع ضد أو لدعم الحكومة أمثال علي محمود حسنين في الاتحادي الديمقراطي الأصل أو الفريق صديق إسماعيل في حزب الأمة، وهذا ينبغي أن ينتبه اليه دكتور علي السيد وهو يبخِّس مشاركة حزبه في الحكومة، ويتحدث عن انشقاق جديد في حزب الصادق تريده الحكومة من خلال تعيينها مواطناً سودانياً لا علاقة له بالحزب. إذا كان علي السيد محامياً قديماً فإن المنطق السياسي يختلف عن المنطق القانوني.. المنطق السياسي يعتمد على الاستنتاج والقراءة التحليلية، بينما المنطق القانوني يعتمد على الأدلة والبينات. وإذا كان دكتور السيد يرى أن الحزب الحاكم يريد إحداث انشقاق في حزب الأمة فعليه هنا أن يُغيّر رأيه في علاقة ابن الصادق بحزب أبيه, وإذا بقي على رأيه في هذه العلاقة، فليس هناك ما يجعله يتهم الحكومة بأنها تريد مزيداً من الانشقاقات داخل حزب الأمة القومي. لكن الأحرى بالدكتور علي السيد إن يقول إن التعامل السياسي مع أحزاب الطائفية يختلف عنه مع الأحزاب العقائدية التي تقدس المبادئ وليس الزعماء وأبناء الزعماء وبناتهم وبيوتهم. ثم إن حزب الأمة القومي لا يحتمل انشقاقاً جديداً، فمن سيقود المجموعة المنشقة إذن؟! اللهم إلا أن يتكرر انشقاق مبارك الفاضل المهدي، وحتى خلافات مادبو ثم خلافات الدومة داخل الحزب مع حدتها التي تتقاصر أمامها خلافات المشاركة في الحكومة لم تنجم عنها انشقاقات. ترى من سيقود الانشقاق الجديد وماذا سيفعل؟! حتى حزب علي السيد فهو يقول إنه وافق على المشاركة في الحكومة رغم أنها منقوصة حتى لا يحدث انقسام جديد, لكن السؤال من سيقود الانقسام الجديد؟! هل بقي فيه من هو في قامة زين العابدين الهندي وآل الأزهري من حيث التأييد الجماهيري؟ نقلا عن صحيفة الانتباهة السودانية 18/12/2011م