أوقفت سلطات الأمن السوداني -عشية الاثنين الماضي- القيادي بحزب المؤتمر الشعبي المناوئ للحكومة السودانية والذى يتزعمه الدكتور حسن عبد الله الترابي، إبراهيم السنوسي، الذى يشغل منصب أمين الاتصال التنظيمي بالحزب. أسباب التوقيف كما أوردتها السلطات الأمنية فى الخرطوم تعود الى قيام السنوسي بجولة خارجية استغرقت أياماً دون انتهاج السُبل القانونية المعروفة للسفر خارج السودان، طاف خلالها كل من دولة جنوب السودان ويوغندا وكينيا. و بالطبع لا شأن لنا هنا بالخوض فى خضم الوقائع التى تحقق فيها السلطات الأمنية السودانية مع الموقوف السنوسي فى هذا الصدد، فذلك شأن يخص الجهة المحققة وحدها والتي ستقرر لاحقاً إحالته لمحاكمة إذا اقتضي الأمر أو الإفراج عنه، وفق ما سوف يسفر عنه التحقيق. غير أننا نجيل النظر فى الملابسات والحواشي القريبة من الحدث، فقد ثبت بالفعل ان السنوسي غادر الخرطوم دون إتباع الإجراءات القانونية المعروفة، وكان خير من أثبت هذه الحقيقة – دون أدني مغالطة – أحد قادة حزبه وهو الأستاذ كمال عمر المحامي، الأمين السياسي للحزب الذى قال فى تصريحات صحفية عقب الاعتقال ان السنوسي كان فى جولة خارجية بالفعل لكل من كينيا ودولة جنوب السودان وأنه بذلك كان يمارس ما أسماه (حق الطبيعي)! ولعل هذه النقطة تحديداً هى التى تكمن فيها كل الازمة التى نحن بصددها إذ ان هنالك إقراراً صريح بأن السنوسي – وفى سبيل ممارسة حقه الطبيعي فى التنقل – سافر الى خارج السودان وطاف بدول مجاورة دون ان يختط الطريق القانوني الصحيح مسبقاً. والسؤال الهام هنا وبصرف النظر عن ما إذا كان هذا المسلك يتضمن مخالفة للقوانين السودانية (قوانين الجوازات) أو غيرها، هو لماذا اختار السنوسي هذا التحرك بعيداً عن القنوات القانونية، وفى الفضاء المفتوح؟ ذلك أننا هنا نشاطر زميله كمال أحقيته فى ممارسة حقه الطبيعي والسفر والارتحال، ولكننا فى الوقت نفسه نبحث عن إجابة صريحة وصادقة عن سبب سلوك سبيل مظلم، بعيداً عن الإجراءات المتبعة، وبأقصى درجات (الهروب) والتخفي؟ لم يكن هناك – وفق ما نعلم من خلال متابعاتنا كمراقبين – مأخذ أمني أو قانوني على الرجل، ولم يكن هنالك ما يحول دون إعلانه عن سفره طالما أنه سفر بريء، نظيف اليد والسريرة خالٍ من أى كلسترول سياسي من شأنه إعاقة انسياب الدم السياسي الوطني فى السودان بسلاسة، فقادة الأحزاب السياسية المعارضة وأبرزهم الميرغني والسيد الصادق المهدي يسافرون فى ضوء النهار - وعبر مطار الخرطوم - تسبقهم تصريحات صادرة عن مكاتبهم ببرامج رحلاتهم؛ بل ان زعيم حزب المؤتمر الشعبي نفسه الدكتور الترابي بكل عناده وخصومته السافرة للحكومة السودانية يجد كل الاحترام والتقدير – فيما نعلم – حين يسافر الى الخارج وقت ما يشاء وأينما يشاء. لماذا اختار السنوسي السفر (خارج السياق القانوني) المتاح؟ إن معضلة هذا المسلك ليست على صعيد مخالفة القانون السوداني فهذا أمر كما قلنا لا يعنينا كثيراً بقدر ما يعني الجهات المختصة المعنية، ولكنها معضلة على صعيد ضرورة محافظة القوى السياسية على طهارة ثيابها الوطنية حتى ولو كان لديها اعتقاد بعدم طهارة خصومهم فى السلطة؛ المعضلة تكمن فى التحلي بالخلق السياسي الرفيع – ولو فى حده الأدنى – لترسيخ قاعدة المعارضة بشرف ونصاعة قلب، إذ ما يُدرينا ما تورطَ فيه السنوسي هناك فى اللقاءات التى أجراها – فى الظلام – وبماذا أرتبط وبماذا تعهد ومع من تحادث؟ ففي النهاية فان الذى يدفع فاتورة مثل هذه المحادثات الخفية هو الوطن وليس السلطة الحاكمة، وقد أفرط الكثير من قادة المعارضة والقوى المسلحة فى تحميل ظهر هذا البلد فواتيراً باهظة وديوناً سياسية ثقيلة، لا لشيء سوي لإرضاء نفوسهم وتحقيق مصالحهم!