من المؤكد ان للجيش السوداني تقديراته وحساباته التى يبني عليها خططه ورؤاه حيال التهديدات المتكررة والمتواترة من حركة الدكتور خليل بشن هجوم على العاصمة السودانية الخرطوم على غرار الهجوم الذى وقع قبل حوالي أعوام ثلاثة فى العاشر من مايو 2008، ولذلك حين يقلل المتحدث بأسم الجيش السوداني من هذه التهديدات، فهو دون شك يعبر عن حقائق واقع لا تصلح منصات الإعلام للإفاضة فيها بحكم ان الخطط والرؤى العسكرية عادة هى ملك المؤسسة العسكرية المعنية ولا تخرج الى الهواء الطلق، إلا حين تنفّذ وحينها تكون غنية عن الشرح. ومع ذلك وبعيداً عن التقديرات والحسابات العسكرية ، فإن بإمكاننا محاولة إستكناه طبيعة وجدية هذه التهديدات ليس فقط لأنها تكررت كثيراً وأصبحت مادة للتحليل والتساؤلات، ولكن لأن حركة خليل فى الواقع ولشدة ما حاق بها من ضعف وخسارة، ومتغيرات لم يعد لديها من خيار سوي ( فعل شيء ما) بقدر عالٍ من الضخامة، بقدر عال من الدويّ، ولا يهم بعد ذلك ما سوف تؤدي إليه النتائج. بمعني أكثر دقة فان حركة خليل – الدكتور خليل على وجه الخصوص – الأمر لديهم أصبح محدود الخيارات إذ ليست هنالك جدوي من عملية الضرب والهرب التى جري عليها تكتيك الحركة فى أنحاء من دارفور وكردفان، ففي آخر عملية من هذا النوع جرت فى شمال كردفان قال الجيش السوداني إنها عملية فاشلة أوقعت الحركة في شباك الجيش السوداني، وقال المتحدث باسم الجيش السوداني، ان الجيش يحاصر قوات خليل بمحلية (ود بندة) على الشريط الحدودي بين شمال كردفان وشمال دارفور، فقد استوعب الجيش السوداني كل تكتيكات الحركة، وطريقة هجماتها، وكيفية تنفيذ الهجوم، مع استعداد دائم للهرب والانسحاب بسرعة قصوي، ولهذا فقد درج الجيش على قطع الطريق عليها والدخول معها فى مواجهة مباشرة لا تريدها ولا تحتملها بحكم البون الشاسع بين الطرفين تدريباً وتسليحاً وعقيدة قتالية؛ مع الوضع فى الاعتبار استحالة صمود قوات غير نظامية، غير مدربة تدريباً نظامياً راتباً فى مواجهة جيش نظامي جيد التدريب تفرغ تماماً من الإحاطة بكل تكتيكات الحركة التى لم يطالها تغيير نوعي، أو كمّي يتيح لها القتال واحتلال المناطق والمدن. الأمر الثاني ان حركة خليل رغم الزخم الذى يصاحبها لا تملك فى الواقع أرضية جماهيرية حتى ولو بالقدر الذى يشجعها معنوياً للقيام بمغامراتها، بل على العكس من ذلك تماماً فإن الحركة خسرت فى الواقع عشرات القبائل فى دارفور جراء أحكام إعدام ميدانية ذات طبيعة إيجازية أصدرها د. خليل فى مواجهة قادة ميدانيين قبل أشهر جري تنفيذها بسرعة ولمجرد شُبهات وفى بعض الأحيان لمجرد التشفي والانتقام. غياب عنصر السند الشعبي او الجماهيري هو الثغرة الخطيرة التى ظل ينفذ منها الماء المدمِر لمركب الحركة، فقد عادت كل أهل دارفور وقاتلت الجميع ولم يعد لديها من صاحب. الأمر الثالث فإن الخرطوم - بغير شك - فى عشية العاشر من مايو 2008 يوم أن توجه إليها خليل بقواته التى كان غالب مقاتليها من الأطفال الأيفاع الذين غرّر بهم، ليست هى الخرطوم اليوم، أو فى الغد، فهنالك مياه سياسية عديدة جرت تحت الجسر ؛ والسلطة الحاكمة حالياً هى سلطة مكونة من ما يجاوز ال15 حزباً سياسياً بما فى ذلك حركة التحرير والعدالة بزعامة السيسي الموقعة على وثيقة الدوحة (يوليو 2011) والتي يقوم غالب بنائها التنظيمي من حركة الدكتور خليل وهم بغير جدال أدري بطريقة الرجل، فلئن كان خليل قبل ثلاثة أعوام يواجه المؤتمر الوطني ويعتقد أنه هو الحاكم الرئيسي، فهو اليوم عليه مواجهة الدولة السودانية بكل ما تعنيه الكلمة وبكل ما يترتب على ذلك من استحقاقات عصية على الاحتمال عليه. وأخيراً فإن خليل الذي رضيَ فى العالم 2008 من غنيمة الهجوم بالإياب، عليه إعادة التفكير أكثر من مرة لكي لا يصبح الإياب نفسه ترفاً لن يحظي به!