صدقت توقعات غالب المحللين السياسيين بأن غياب الدكتور خليل إبراهيم مؤشر واضح على تشرذُم حركته من بعده وتباعد الرؤي فيها هذا إذا لم يصل الخلاف والتشرذم حد الإقتتال. ذلك أنه وقبل مضي شهر على غياب خليل كانت قد خرجت حركة تصحيحية أعلنت عن نفسها الأسبوع الماضي وأكدت أنها تقترب من التوقيع على وثيقة الدوحة الخاصة بإحلال السلام فى دارفور. ولم يجف بعد بيان هذه الحركة التصحيحية، فإذا بالخلاف يضرب ما تبقي من الحركة بعدما تمسك عدد من القادة الميدانيين بموقفهم الرافض لتولي شقيق خليل، جبريل إبراهيم لقيادة الحركة، كما رفضوا أيضاً تولي الطاهر الفكي – الرئيس المعلن حالياً – للرئاسة، وطالبت بتولي حامد نور ليكون خليفة لخليل. الخلاف بدا عميقاً بين الأطراف وله جذوره التي ترجع الى خليل نفسه الذى يتهمه قطاع عريض من القادة الميدانيين بأنه تجاهل تماماً - طوال الأربعة سنوات الماضية - الأطر التنظيمية والهياكل التى تقوم عليها الحركة ولم يتم عقد مؤتمرها العام الذي ظل يتأجل دون أسباب موضوعية وهو ذات ما سبق أن عبرَ عنه القيادي المنشق فى حياة خليل، محمد بحر الدين فى بيانه الشهير الذى إنسلخ على أساسه من الحركة قبل مصرع خليل. ولعل أسوأ ما فى الخلاف المتصاعد حالياً بين كافة القادة الميدانيين أن الكثيرين منهم غير متحمسين كثيراً بشأن عقد المؤتمر العام، إذ أنَّ المؤتمر العام ربما كان السانحة المناسبة لحلحلة قضايا الحركة بالأدوات الديمقراطية ولكن الخلاف يدور الآن – وبشدة – حول تاريخ ومكان انعقاد هذا المؤتمر العام حيث تري مجموعة أن ينعقد فى وادي هور ومجموعة أخري تفضِّل جبل مرة ولعل هذا الانقسام نفسه فى مكان إنعقاد المؤتمر العام يشير – فى حد ذاته – الى وجود مجموعتين متنافرتين على الأقل؛ مجموعة قريبة من دارفور، وليسوا من قبيلة الزغاوة؛ وأخري من قبيلة الزغاوة وغالبها عشيرة وبنو عمومة خليل. ويخشي عدد من المراقبين اندلاع المواجهات المسلحة بين الطرفين فى ظل عدم وجود وسائل ناجعة لحسم الخلاف وفى ظل شعور الأطراف كافة أنه قد آن الأوان لتمارس حقها بعدما افتقدت هذا الحق طيلة وجود خليل زعيماً للحركة منذ تأسيسها . فى السياق نفسه يشعر عدد كبير من القادة الميدانيين أنهم قد تسرعوا بدخولهم لدولة جنوب السودان سواء لكون الحركة الشعبية الحاكمة هناك (غير مأمونة الجانب) كما عبَّر بعضهم بذلك علناً، أو لأن المُشترَكات السياسية والأيدلوجية بين الجانبين تبدو منعدمة خاصة وأن مؤسس الحركة كان من منظومة الإسلاميين التى تتصادم أطروحاتها مع رؤي وأطروحات الحركة الشعبية. وعلى كلٍ فإن الأمر بات مثيراً للقلق خاصة فى دوائر حزب المؤتمر الشعبي الذى كان يبني قدراً كبيراً من حساباته – إن لم تكن كل حساباته – على تكتيك الحركة، وبدا زعيم الحزب الدكتور الترابي شديد الحزن على فقدان الحركة لزعيمها فى ظل عدم وجود قيادة جديدة بذات مواصفات القيادة الغائبة .