حثّت الحكومة السودانية - الأسبوع الماضي - مجلس الأمن الدولي على ضرورة الإسراع بالنظر فى شكوي السودان ضد دولة جنوب السودان والمتعلقة بإحتضان جوبا للحركات المسلحة الناشطة ضد السودان، سيما حركة العدل والمساواة التى قدم السودان – ضمن أوراق الشكوي – أدلة موثقة علي عبور حوالي 79 عربة دفع رباعي على متنها أكثر من 350 مقاتل من قوات الحركة الى دولة جنوب السودان قبل أيام قلائل. وقال مندوب السودان الدائم فى مجلس الأمن السفير دفع الله الحاج يوسف إن مجلس الأمن لم يقم بأى إجراء حيال تلك الشكوي وأن دولة جنوب السودان إمتنعت عن الحيلولة دون انطلاقهم من أراضيها لشنّ هجمات على السودان؛ كما أنها تحتفظ بمواطنين سودانيين اختطفتهم حركة العدل. وبالطبع – حتى الآن – لم يفعل مجلس الأمن شيئاً على الرغم من أن الشكوي التى حث المندوب السوداني المجلس بضرورة الإسراع بنظرها لم تكن هى الأولي، وإنما يأتي ترتيبها فى المرتبة الثالثة فى غضون ثلاثة أشهر قدم خلالها السودان ثلاثة شكاوي تدور داخل ذات الإطار . ولعل الشيء الملفت للإنتباه فى هذا الصدد أن الولاياتالمتحدة التى يبدو أن شكاوي السودان هذه أوجدت قدراً من الحرج السياسي لديها – سواء لقوة الأدلة أو لأن الدعم الجنوبي نفسه مكشوف وماثل تماماً للعيان – عملت على عرقلة هذه الشكاوي طيلة هذه الفترة واجتهدت فى مداراة الأمر طالبة من جوبا أن تكف عن تقديم هذا الدعم ولكن جوبا لم تفعل. وربما علمت واشنطن إن وجود هذا الشكاوي على منضدة مجلس الأمن سواء تم نظرها أم لا، يضعف موقف جوبا حيال القضايا العالقة، وهى قضايا تأتي فى مقدمتها قضية النفط إحدي أكثر شواغل جوباوواشنطن على السواء، ولهذا ولأن الشكاوي السودانية – إذا نُظرت – فسوف تدين جوبا، تعمل واشنطن – فى هذه الأثناء – جاهدة لكي تجلب ملف القضايا العالقة بين الجانبين الى منضدة مجلس الأمن، فقد أدركت واشنطن أن حلحلة هذه القضايا العالقة بات صعباً وفى الوقت ذاته لا مجال للضغط علي الخرطوم بأي أوراق ضغط . كما أن واشنطن - بحسب تقديرها - تري أن وجود الأمر برمته علي منضدة المجلس يحقق قدراً من التوازن ولعل ها هنا يكمُن سر ما يمكن أن نسميه إستئساد جوبا على الخرطوم، فقد بادر أمين عام الحركة الشعبية باقان أموم – أواخر الأسبوع الماضي – بشنّ هجوم على الخرطوم مهدداً ومتوعداً بحمل ملف القضايا العالقة الى المجلس – غير أن خبراء قانونيين وإستراتيجيون قالوا ل(سودان سفاري) إن ملف القضايا العالقة ليس صالحاً للتداول فى مجلس الأمن، فهو ملف بين دولتين، ولم تصل درجة الخلاف بينهما درجة الحرب والمواجهة العسكرية ولئن كان جزء من هذه القضايا يتصل باتفاقية السلام الشاملة - نيفاشا 2005م - فإن هذه الاتفاقية انقضت بتنفيذ آخر بنودها وهو حق تقرير مصير جنوب السودان ومن اللحظة التي أصبحت فيها دولة جنوب السودان دولة مستقلة لها علمها وعضويتها فى الأممالمتحدة أصبحت القضايا العالقة قضايا متصلة بعلاقات بين دولتين. ويضيف الخبراء إن مجلس الأمن لا يستطيع إلزام طرف بقبول طرح أو رؤية معينة، فالأطروحات والرؤى التفاوضية إنما تتم عبر التفاوض والأخذ والردّ، ومن المستحيل - طبقاً لهؤلاء الخبراء - أن يصدر المجلس قراراً بإلزام السودان بأخذ قيمة محددة كأجرة لنقل نفط الجنوب أو التخلي عن أبيي، أو شيء من هذا القبيل فى الوقت الذى فيه بإمكان المجلس – وفق الشكوي السودانية – أن يأمر جوبا بالكف عن دعم المتمردين السودانيين وبوسعه أن يتخذ ما يشاء لإنفاذ هذا الأمر إذا كان المجلس بالفعل عادلاً!