من غير المستبعد ان تتجه واشنطن لدفع مجلس الأمن الدولي لتبنّي مواقفاً متشددة حيال السودان على خلفية نزاعه مع دولة جنوب السودان فيما يُعرف بالقضايا الخلافية العالقة. وتشير متابعات (سودان سفاري) فى نيويورك بهذا الصدد ان واشنطن كانت قد مضت قدماً فى صياغة بيان يصدر عن المجلس عقب الجلسة التى جري فيها تداول الموضوع قبل نحوٍ من أسبوعين من الآن وكان من ضمن فقرات البيان – الذى لم يرَ النور بعد – بسبب إعتراض السودان على توجيه اللوم الى السودان لعدم قبوله بخارطة الاتحاد الافريقي لترسيم الحدود بين الدولتين والتى كان من المؤمل على أساسها إقامة المنطقة العازلة بين الجانبين. وبوسعنا ان نستشف من ذلك تفسيراً منطقياً للبيان الذي أصدرته الخارجية الامريكية ممهوراً بتوقيع المبعوث الامريكي الخاص الى السودان (برنستون ليمان) والذى كان مأخوذاً بالحرف من الصياغة الامريكية للبيان الرئاسي ذاك الذى فشل مجلس الأمن فى إصداره للخلاف الذى دار حوله وإعتراض السودان عليه، والذى أيضاً أشار فيه لضرورة قبول السودان للخارطة الافريقية. لقد تبنّت واشنطن ذات فقرات البيان الرئاسي لتضعه أمام السودان كشرط لازم للمضيّ قدماً فى إقامة المنطقة العازلة بين الخرطوموجوبا. وهذا يعني بداهة ان واشنطن ظلت طوال الفترة الماضية تحيك خططها بعناية في أروقة مجلس الأمن لتوجيه عملية التفاوض بين جوباوالخرطوم بما يتوافق مع رؤيتها وما يحقق مصالحها، وهو أمر من الطبيعي ان تنشط فيه المندوبة الامريكية هناك (سوزان رايس) بعدما لزمت الصمت طوال المرحلة السابقة إنتظاراً لحلحلة ملف النفط أولاً لفتح شهية الخرطوم فى عملية إلهاء واضحة عُرفت عن واشنطن فى مثل هذه الحالات والمواقف. وتري مصادر دبلوماسية مطلعة هاتفتها (سودان سفاري) فى نيويورك – السبت الماضي – ان مجلس الأمن إنقسم وما يزال منقسماً حيال البيان الرئاسي المؤجل لأجل غير مسمّي وليس من المنتظر إخراجه بذات صيغته المطروحة تلك، وهو ما جعل واشنطن تستخدمه بطريقتها الخاصة قطعاً لأيّ طريق على تعديله لاحقاً أو إدخال صياغات جديدة عليه لا تعطي الشيء المطلوب. ولكن يظل السؤال المحوري الهام فى هذا الصدد حول ما إذا كانت واشنطن – بهذا الاسلوب – تسعي لإستخدام مجلس الأمن بصورة أو بأخري لترجيح كفة الجانب الجنوبي فى مجمل النزاع الناشب بين جوباوالخرطوم . الواقع ان هذا الأمر لا يبدو مستبعداً، فتحت دواعي إنهاء النزاع وفق ما تضمنه القرار 2046 تريد واشنطن إيراد مقترحات بإسم مجلس الأمن ليبدو وكأنَّ المجلس يتدخل – عبر أسلوب المقترحات – فى حل النزاع، ولكن ما يعيق هذه الخطوة فى الوقت الراهن، أن السودان وبالإستعانة بأصدقائه فى المجلس يسعي للحيلولة دون تمرير البيان الرئاسي على الرغم من ان البيان – فى حد ذاته – ومن الناحية القانونية المحضة ليس له قوة القرارات التى يصدرها مجلس الامن والقابلة للتنفيذ حتى ولو بإستخدام القوة - وفق الفصل السابع - اذا إقتضي الامر. ومع ذلك فإن السودان نجح الي حد كبير - وفق ذات المصادر الدبلوماسية - فى عرقلة صدور البيان بصورته المجحفة فى حقه تلك، إنتظاراً لصيغة أفضل تضع الأمور فى نصابها الحقيقي الصحيح. وعلى ذلك ومع عدم إمكانية الركون الى تحركات واشنطن فى مجلس الامن وما تدبره من خطط وتحيكه من مؤامرات، فإن من المحتمل ان تؤول الأمور الى تعقيدات حدودية بين الخرطوموجوبا تمهد لتدخُّل المجلس لاحقاً لإنفاذ إحدي أهمّ خطط رايس المفضلة بإستجلاب قوات دولية للمرابطة هناك وهو ما سبق لرايس -قبل عملية الاستفتاء- ان أَلمحت اليه لدي زيارة المجلس الى المنطقة حينذاك!