ما كان أمراً مفاجئاً أن تكون إسرائيل بمثابة موِّلد حراري للحركات المسلحة الدرافورية، دعمتها بالمال والسلاح، واستدرجت الكثير منها حتى وصل بعض هذه الحركات درجة فتح مكتب لهم بقلب عاصمة الكيان الإسرائيلي تل أبيب كما فعل فصيل عبد الواحد محمد نور منذ أكثر من 4 سنوات. ولهذا أيضاً لن يكون أمراً مفاجئاً أن تسعي اسرائيل - بعدما رأت هذه الحركات تترنح وتتساقط - لإعادة بعث الحياة فيها من جديد، عسي ولعل. غير أن الأمر المفاجئ بحق هو أن أحد قادة حركة العدل والمساواة وشقيق زعيمها خليل إبراهيم، أقرّ علناً وصراحة بالمسعى الإسرائيلي، ليس ذلك فحسب، ولكن القيادي المذكور وهو جبريل إبراهيم طفق يشجع ويدعم هذه الخطوة الإسرائيلية، وأجري اتصالات هاتفية ساخنة حاثاً رفقائه فى حركة العدل علي (قبول المساعي الإسرائيلية) وبأسرع ما يمكن! الأزمة هنا لها أبعادها المعقدة والشديدة الوطأة، فمن جهة أولي، فقد ثبت يقيناً – دون أى مزايدة – ان حركة خليل كانت بصورة أو بأخري – رغم إدعاء زعيمها الانتماء الى الأيدلوجية الإسلامية – تحت عباءة اسرائيل، وهو أمر له مخاطره لأن زعيم الحركة ظل بإستمرار يقول أنه إبن الحركة الإسلامية، ومن ثم فإنه سوداني يقاتل من أجل إقرار العدل والمساواة، فى الوقت الذى فيه سمح لنفسه بأن يكون مطية لأسوأ عدو فى المنطقة، ذلك أنه لو كان مفهوماً إسناد حركة خليل ظهرها الى تشاد أو ليبيا بغرض الدعم وتوفير المنصة والملاذ، فإن من غير المفهوم على الإطلاق إسناد الظهر الى اسرائيل لأن اسرائيل – ببساطة شديدة – تأخذ فقط ولا تعطي، وإن أعطت فهي تعطي لتأخذ ما لا يتصوره الممنوح! من جهة ثانية، بات من الصعب إن لم يكن من المستحيل تماماً علي قيادة المؤتمر الشعبي المعارض وزعيمه الدكتور الترابي التغني بخليل والبكاء على رحيله، بل وإدعاء (شرف الصلة به)، فى ظل وجود (صلة هى قطعاً قبيحة) بين حركة خليل وإسرائيل، إذ لن يكون أمراً سهلاً أن يغامر الشعبي بتبرير علاقة كهذه تفضي فى النهاية الى إهالة التراب على مرجعيته الفكرية. صحيح ان الشعبي تخطي فى الآونة الأخيرة (أسلاكاً أيدلوجية شائكة) حين تقارب الى حد مثير للريبة مع اليسار الفاقع، وأقرّ بذلك علناً. وصحيح أيضاً ان الشعبي – وفي سبيل تحقيق ثأره الفوّار بإزالة السلطة الحاكمة – ما عاد مكترثاً بالحلال والحرام السياسي والأمور المُشتبهات . كل هذا صحيح، ولكن من المؤكد أن الأمر لا يصل الى حدّ التقارب مع اسرائيل فهذا مما يُعدّ من المُهلِكات التى لن يجرؤ الحزب مهما فجر فى الجرأة والخصومة على الاقتراب منه. ومؤدي ذلك أن الفترة المقبلة ستكون أبرز سماتها توجّه الشعبي لإنكار صلته بحركة خليل بشدة هذه المرّة، وليس كما في السابق حين كان ينكر هذه العلاقة بإبتسامة خفية ذات مغزى! من جهة ثالثة فإن افتضاح هذه العلاقة قطعاً سيقضي على من تبقي من حركة خليل خاصة أولئك الشباب الذين خُدِعوا ببرامج وأطروحات إسلامية . وهكذا، فإن حركة العدل والمساواة التى شغلت الناس وأهاجت الكثير من الأجواء فى أنحاء شتى من السودان، وحال غياب زعيمها إنفرط عقدها بحيث تمايزت الألوان فيها، فأصبحت ما بين مجموعات مندفعة الى الإلتحاق بالعملية السلمية، بعدما أكدت ان خليل كان يتعنَّت بهدف التعنت فقط ؛ ومجموعات تتشاكس الآن حول خلافة خليل ومجموعات سقطت – كتفاحة ناضجة – فى يد الكيان الإسرائيلي، يتلاعب بها حيث يشاء!