يعرِّف الأطباء الأزمات القلبية دائماً بصرف النظر عما اذا كانت من الضروري ان تؤدي للوفاة أم لا، فهي على الأقل و فى أحسن الفروض تمثل انذاراً جدياً للجسد. و هذا ما يمكن ان نقايس به ردة فعل حزب المؤتمر الشعبي بزعامة الدكتور الترابي عقب الانشقاق الذى اعتبره المراقبون خطيراً و مؤثراً؛ الذى ضرب حركة العدل و المساواة مؤخراً حيث تكمن أزمة الشعبي القلبية فى أنه و قبل لحظات من الانشقاق كان القيادي إبراهيم السنوسي يقدم عرضاً للحزب الوطني فى الخرطوم بالتوسط ما بين الحركة والوطني لحل أزمة دارفور .و لأن الحزب الوطني يرقد على خبرة سياسية يصعب الاستهانة بها، فقد كان رفضه سريعاً و دون ذكر أسباب مفصلة أو مجملة ، ولكن كان من السهل استنتاج و قراءة الأسباب، اقلها أن الشعبي بصلته العسكرية المعروفة بحركة خليل يصطاد فى مياه عكرة و ينتهز سانحة غير مواتية ليس للتوسط و الحل و لكن لصالح أجندته الخاصة. وغير بعيد عن ذلك عودة زعيم الحزب من الخارج مؤخراً أيضاً و استئناف حركة خليل – بالتزامن مع العودة – لهجماتها الإرهابية المباغتة فى أنحاء كردفان هذه المرة. كان واضحاً ان الشعبي قد خطط لشئ ما بعناية؛ و لربما توقع الحزب رفض الوطني لعروضه و قرر اللجوء الى الخطوة التالية .و هنا جاءت المفاجأة الكاملة ، فقد وقع انشقاق مفاجئ فى حركة خليل و خرج من الحركة قادة مهمين للغاية كان المؤتمر الصحفي الذى عقدوه فى أديس أبابا وحده أكبر دليل على أبعاد الفاجعة. ومن البديهي ان الشعبي لو كان يعلم بالانشقاق او يتوقعه ما كان يعرض ما عرضه ذلك أن من المستحيل ان تكون حركة خليل تمضي باتجاه انهيار سياسي وشيك كهذا و تغامر ، ويغامر معها الشعبي بعرض وساطة فى توقيت خطير كهذا . و لئن قال قائل ،ان الانشقاقات باتت أمراً معتاداً فى الحركات الدارفورية المسلحة، فان الأمر يختلف كثيراً جداً هذه المرة ، فحركة خليل فى ظروف صعبة و معقدة بلغت من تعقيدها و صعوبتها أنها لا تستطيع إدخال قائدها خليل الي الميدان فى دارفور ! كما ان حركة خليل من الأساس تنتابها غيرة سياسية من بقية الحركات الدرافورية المسلحة و تريد ان تخلو لها الساحة وحدها ، فما بالك إذا بدأت تزاحمها أجزاء هامة من جسدها نفسه ؟ لقد تكفلت الظروف إذن بقطع دابر الخطة الخفية للعدل و الشعبي، فعلاوة على أن المفاجأة جاءت كاملة و صاعقة فان الخطة على اية حال قد فشلت والمتضرر اكبر من الفشل هو الشعبي الذى بدت له الحادثة مثل الأزمة القلبية التى أشرنا إليها في صدر هذا التحليل !