يقدم راندل كيندي، وهو أستاذ للقانون في جامعة هارفارد، في كتابه الجديد "استمرار حاجز اللون: السياسة العنصرية ورئاسة أوباما"، أكثر التقييمات وعياً (وإيقاظاً للوعي)، لصراع الرئيس الأميركي باراك أوباما مع العرق حتى هذه اللحظة. ويبحث الكتاب في الأحداث الإعلامية الكبرى، ومنها الجدل حول القس أرميا رايت، والقبض على هنري لويس غيتس، واستقالة شيرلي شيرود القسرية. ولكن يمكن القول إنه يصل إلى أقصى درجات الوضوح، حين يكون أكثر بساطة. ويظهر مثال على ذلك في أول الكتاب، حيث يسعى كيندي إلى فهم السبب في أن أوباما يستمتع بمداهنة شبه إجماعية في مجتمع السود. فقد صوت له ما يقرب من 96% من الأميركيين السود، وهو يحظى بنسبة تأييد تصل إلى 91% في مجتمعهم. ويستمتع أوباما بهاتين النسبتين، رغم تعامله بحذر غير عادي مع أي شيء عنصري، وتحاشيه لأي نزعة انفعالية متأصلة في تقليد احتجاجات السود. ويذكر كيندي عدداً من الأسباب التي تجعل أوباما يستمتع بدعم من هذا القبيل، قبل طرحه ما يلي: "إن السود يحبون أوباما، لأنه يريحهم من عبء انتحال الأعذار له". ولطالما تم تقديم الأميركيين السود بشكل غير متناسب للعالم، من قبل الرياضيين والفنانين. وغالباً ما ينظر إلى شؤون الأقلية السوداء، من خلال الكفاحات الشخصية لأبنائها ونقاط ضعفهم. ولم يكن اعتداء كريس براون على ريهانا، مجرد فرصة لتسليط الضوء على ظاهرة العنف المنزلي، وإنما فرصة لتسليط الضوء عليها تحديداً في مجتمع السود. وكما هي الحال بالنسبة لكل شيء، فإن الفنانين والرياضيين الأكثر إثارة للجدل، يجذبون أكبر قدر من الاهتمام. ووسط أي مجموعة، تكون هناك رغبة قوية في الظهور بصورة جيدة. ولا يسعني التفكير في أي شخص أقل ملاءمة للاضطلاع بمثل هذه المسؤوليات، من الرياضيين والفنانين، وهم مجموعة من الأشخاص الذين غالباً ما يجدون أنفسهم من أصحاب الملايين في أوائل العشرينات من أعمارهم. أما في باراك أوباما وعائلته، فقد وجد فيهم الأميركيون السود عكس ذلك تماماً، إذ وجدوا ثنائياً أميركياً من أصل إفريقي، يتمتع بروح الشباب والنشاط والجاذبية، ويجسد جميع قيم الطبقة الوسطى، التي نادراً جداً ما نتمكن من إظهارها. والأهم من ذلك، كما يقول كيندي، انه كان ثنائياً يخلص الأميركيين السود من عبء انتحال الأعذار.. فلم تكن هناك حاجة لتبرير قضية طفل غير شرعي أو ادعاءات بالتحرش الجنسي، ومن المستبعد جداً أن تكون هناك أية محاكمات بتهمة القتل. وجو بايدن، بطريقته الخاصة غير المهذبة، كان محقاً حين وصف الرئيس الأميركي ب"النظيف". وهناك أيضاً عنصر الاختيار في حالة أوباما، إذ إن كونه ثنائي العرق قدم له مخرجاً، ولكنه رفض الخروج منه. وهناك صورة نمطية عن الرجال السود الناجحين، تشير إلى أنهم يفضلون النساء البيضاوات، ومجتمع البيض، والأشخاص البيض عموماً، ويرفضون التماهي مع مجتمع السود. وعندما يتعلق الأمر بالرجال السود ثنائيي العرق، أو الطلاب السود في جامعات "آيفي ليغ"، فإن هذه الصورة النمطية لا تزداد إلا حدة، إذ إن القول المأثور المتداول بين النساء السوداوات يفيد أن "كل الرجال المناسبين مأخوذون، فهم إما متزوجون من نساء بيضاوات أو غير أسوياء". وأوباما "مأخوذ" بلا شك، ولكن من قبل امرأة سوداء.. فهو لم "ينسحب". ولا أشك في أمانته في الإشارة إلى عرقه الأسود، في استمارات التعداد السكاني. وعلاوة على ذلك، فإنني أعتقد أن الناس الذين يحثونه على القيام بغير ذلك، غالباً ما يفعلونه وهم يتمتعون بنعمة الأصل، والوطن، وبأنهم ينحدرون "من مكان ما"، أو بنعمة التقاليد التي لا ينظر إليها بنوع من العداء في مساحات شاسعة من البلاد. ومع ذلك، فإنني أفضل أن أعتقد أن أوباما يفهم الرسالة التي يرسلها إلى ذلك المكان الذي يقول إنه ينحدر منه. ومن المبالغة أن يتم التلميح إلى أنه كان ينفذ خطة مدروسة، لتنتهي به إلى رئاسة أميركا. وحقيقة أن أوباما يجني فائدة انتخابية من مجرد كونه مواطناً مسؤولاً، تعتبر معياراً منخفضاً في الواقع، وهي في حد ذاتها انعكاس للعنصرية. وتنبع حاجة الأميركيين السود إلى "التمثيل"، من تاريخ حافل بالصور النمطية. وعلاوة على ذلك، فإنه من المغري بدرجة موازية، أن يتم تجاهل الرمزية باعتبارها غير مهمة، مقارنة بالسياسة الملموسة، ورمزية أوباما توفر له الحماية غالباً من النقد الفعلي، غير أنني لا أعتقد أنه ينبغي تجاهل الرمزية بسهولة. المصدر: البيان 27/2/2012م