تبادل الابتسامات وكلمات المجاملة الدبلوماسية بين وفد حكومة جنوب السودان برئاسة باقان أموم ووفد الحكومة على مائدة غداء فاخرة أعدها رجل الأعمال الأكثر شهرة، جمال الوالي، لا يعد كونه تمثيلية برع باقان أموم في إجادة تمثيلها وحبكة خيوطها لتنطلي على الجميع عندما تحدث الرجل عن ضرورة الخروج من قعر البئر الذي وصلت إليه العلاقات مع الخرطوم مما أعطى الجميع مؤشراً على إمكانية الانتقال لمربع آخر بترتيب لقاء قمة بين الرئيس البشير ورئيس حكومة دولة جنوب السودان سلفاكير في جوبا مطلع الشهر القادم. المقدمة أعلاه لا تعكس بالضرورة رأي قادة منبر السلام العادل بشأن شكوكهم المتجذرة فيما يتعلق بنوايا حكومة الجنوب وعدائها للشمال، لكنها ربما تعكس كذلك رأي شرائح كبيرة في أوساط المجتمع بالطبع لدى منبر السلام العادل بقيادة الطيب مصطفي قناعاته السياسية التي دفعته مبكراً للتصدي والدفع برؤية واضحة لانفصال الجنوب بحجج لا يتفق عليها حتى أعضاء المنبر ولكن انغلاق المنبر بعد أن عاش تحقق حلمه الإستراتيجي وهو الانفصال انغلاقه علي فرضية استمرار العداء ورفضه لتحسين العلاقات مع الشمال أمر يصعب تبريره. دافع منبر السلام العادل بشراسة عن رؤيته لرفض اتفاق الحريات الأربع مع دولة الجنوب بصورة قادت لجر قائد وفد التفاوض إدريس محمد عبد القادر للرد بقوة علي رئيس المنبر مدافعاً عن اتفاق لا يبدو أنه وجد قبولاً لدى قطاعات واسعة من الجماهير وواجه رفضاً مستتراً وظاهراً من بعض قادة المؤتمر الوطني غير أن هجوم قوات الحركة الشعبية على منطقة هجليج وهي أرض شمالية لا تمُت لجنوب السودان بصلة إلا من جهة الجغرافيا كونها تقع على تخوم دولة الجنوب. هجوم الحركة الشعبية علي هجليج ربما سيغير المعطيات الحالية فاتفاق الحريات الأربع أصبح محل نظر وربما ألقت الحكومة الاتفاق أسوة بإلغاء زيارة رئيس الجمهورية للجنوب، لكن مراقبين يرهنون تجاوز الطرفين للاتفاق بالتطورات الميدانية علي الجبهة العسكرية وبمقدار اتساع نطاق المواجهات وارتفاع الخسائر المادية والعسكرية علي الجبهة تصبح كل الاحتمالات واردة بدرجات متفاوتة، الحكومة أعلنت طرد الجيش الغازي لخارج هجليج واتبعت إعلانها بنفي أي نوايا توسعية داخل أراضي الجنوب وفي المقابل أبدت حكومة جوبا عدم رغبتها في الدخول في حرب مفتوحة مع الحكومة في الشمال. ويرى أستاذ العلوم السياسية د.حسن الساعوري أن حكومة الجنوب لن تدخل في حرب مع الشمال لأنها ستظل ولفترات طويلة مشغولة بترتيب أوضاعها الداخلية وضبط الأمن ونزع سلاح المليشيات والحد من القتال القبلي، ولكن لماذا تظل جبهة الحدود مع الجارة الشمالية لا تهدأ وتشتعل المواجهات باستمرار حسب مراقبين فإن حكومة الجنوب تحتاج من فترة لأخرى لخنق المجتمع والقوي السياسية في الجنوب بخلق حالة توتر والحرب مع الشمال بقصد صرف أنظار الجنوبيين عن المطالبة بتحسين أوضاعهم المعيشية بعد أن آل إليها أمر الدولة المستقلة (ربما). أول الخاسرين من لعبة الحرب التي يجري تسويقها في المنطقة هي دولة جنوب السودان فهي لن تخسر فرصة بناء الدولة في أجواء مستقرة وآمنة فحسب لكنها ربما لا تجد الدولة ذاتها إذا اندلعت الحرب. نقلا عن صحيفة الوفاق السودانية 29/3/2012م