لأسباب ليست معروفة وحتى ولو عُرفت لن تكون مقبولة أبداً، أحجمَ الحزبان السودانيان المعارضان، الشيوعي والشعبي عن إصدار أىِّ إدانة صريحة أو ضمنية فى مواجهة العدوان الجنوبي السافر على منطقة هجليج السودانية. استعصم الحزبان فى موقف غريب بدا عصياً على الفهم، فى ظل تصاعد الشعور الوطني عامة وسط كافة القوى السياسية والقطاعات السودانية، كون أن العدوان – وبصرف النظر عن الموقف من الحزب الحاكم فى السودان – إنما هو عدوان على أرض سودانية لا نزاع حولها، من قِبل دولة أجنبية، لا يجيز لها القانون الدولي مهما كانت المبررات أن ترتكب جرماً كهذا؟ ومن المؤكد أن هذا الموقف يعتبر بكل المقاييس خذلاناً وطنياً كبيراً، قد يصل الى درجة الخيانة العظمي لأن الحزب السياسي الذى يقف على الحياد، فى مثل هذه المنعطفات التاريخية يكون قد نزع عن نفسه الرداء الوطني وهرب من الميدان وأعان العدو على بلاده. وبالنسبة للحزب الشيوعي السوداني فإن الأمر بدا محيراً، ذلك أن الحزب فقد قبل أسابيع سكرتيره العام الراحل محمد إبراهيم نقد، ويمر الآن بفترة انتقال وترتيب وتنظيم بيته من الداخل فى ظروف سياسية ومعطيات قاسية. هذا الانتقال وهذه الظروف تستلزم أن يرتفع الحس الوطني للحزب ليواكب المتغيرات والمياه الكثيرة التى ما تزال تجري تحت الجسر، ومن المؤكد ومما لا جدال حوله أن التعبير عن موقف وطني صادق، ما كان يكلف شيئاً، اللهمّ إلا إن كان (ورثة الراحل نقد) مزقوا قميصه الوطني وسودانيته الأصيلة التى عُرف بها وأضفت عليه تلك الأصالة الوطنية التى جعلت من الراحل نقد – رغم الاختلاف السياسي والأيدلوجي معه – محطاً لإعجاب الكثيرين للصفات النبيلة التى عُرف بها. لقد كان ولا يزال الحزب الشيوعي السوداني -رغم إنحسار فكره السياسي وجماهيره- فى حاجة الى ترسيخ وجوده فى الساحة السياسية السودانية، إذا كانت فعلاً ليست له إرتباطات أو فواتير مؤجلة باهظة مع جهات أجنبية. ويؤسف المرء هنا أن يقول، إن قيادة الحزب الشيوعي لم تكن التبة فى حجم التحدي والموقف السياسي الراهن فى السودان . أما الشعبي بزعامة الترابي فهو دون شك يعاني من حمّي الخصومة والعداء غير المتوازن ضد المؤتمر الوطني ولم يُخفِ زعيمه الترابي – فى أكثر من موقف – سعيه لإسقاط السلطة الحاكمة بأىّ كيفية كانت؛ وسبق أن زعمَ مسئوله السياسي كمال عمر إن الحزب الشيوعي أقرب إليهم فى الشعبي من المؤتمر الوطني! وهو فجور غير مألوف فى الخصومة السياسية، لا تعرفه السياسة السودانية ولم تألفه البتة. لقد أخطأ الشيوعي والشعبي بموقفهما هذا خطأً إستراتيجياً كبيراً. ومن المؤكد أنهما بسبيلهما لسداد فاتورة هذا الموقف العالي الكلفة، والذي تصل كلفته الى حد الإعدام السياسي عزلاً حتى الموت!