ما أن خرج والي جنوب كردفان مولانا أحمد هارون بقوله ان الجنوب بدأ يدفع متمردي جنوب كردفان والنيل الازرق للقتال تحت تأثير (حبوب الهلوسة) حتى تراقص طيف القذافي وهو يصف شباب الثورة الليبية بذات العبارات مع اختلاف مصدرها. والحق يقال فلا هارون ولا القذافي هما أول من يصدر عنهم هذه الاتهام، فمنذ الحرب العالمية خرجت الدعاية السياسية ضد النازيين بذات العبارات ، وفى كل المناطق الساخنة بالثورات والحروب الأهلية لم تنقطع الاتهامات ضد العدو بأنه يتعاطي (المخدرات)، بل وحتى عقب حديث القذافي خرجت ذات الاتهامات ضد الثوار فى سوريا وبآخرين وغيرهم دون استشثناء ، فما هي الحبوب المهلوسة و المخدرات التى تستعمل لصنع المتمردين والثوار الذين لا يكلون ولا يملون؟ و هل هناك جيوش نظامية استخدمتها على مرّ التاريخ؟ يوم الجمعة الماضي أشار والي جنوب كردفان، مولانا أحمد هارون الى سعي دولة الجنوب لتغيير نمط حياة المتمردين فى جنوب كردفان والنيل الازرق عبر تغذيتهم بالذرة الشامية المستوردة من كينيا واستعمل (حبوب الهلوسة)، وقال هارون فى برنامج مؤتمر إذاعي ان الهجوم الذى قام به الحلو فى الولاية يفوق قدراته ،فما ذهب إليه مولانا لم يكن اتهاماً جيداً فالقرائن والدلائل تشير على مرّ التاريخ الى استخدام الجنود النظاميين للقتال بشجاعة مصطنعة. وربما أثار حديث الطاغية الراحل معمر القذافي السخرية والضحك على العقيد حين اتهم تنظيم القاعدة وزعيمه الراحل بن لادن بدعم الثوار ودفعهم الى مواجهته بدعمهم بحبوب الهلوسة. وقال في خطابه لأهالي الزاوية فى فبراير من العام الماضي: هؤلاء لا مطالب لهم، مطلبهم ليس عندهم بل عند بن لادن. مضيفاً: من يعطي حبوب الهلوسة لأولادكم هو المجرم المسئول عن القتل او حرب أهلية او مصيبة. وأتهم القاعدة وابن لادن بالتغرير بأبناء الزاوية الذين يقل عمرهم عن 20سنة لإعاثة الفوضي والدمار فى المدينة، و طالب الآباء والأمهات بأن ينزلوا الى الشوارع ويمسكوا أولادهم الصغار الذين غرر بهم من عناصر القاعدة الهاربين من غوانتاموا ، وأضاف قائلاً: عالجوا أبناءكم من حبوب الهلوسة الموضوعية فى القهوة والحليب كي يسيطروا بها عليهم. وقبل كابتشينو أبن لادن المهلوسة وحبوب سلفا كير أثبتت عدةدراسات وأبحاث دولية ان تقديم المخدرات بعدة أنواع تم رصده عبر التاريخ الطبي والعلمي، وأن تعاطي الجيوش المخدرات ليست بدعة جديدة فكثير من الدراسات الطبية أثبتت ان الجسارة الجرأة والذهول الذى تخلفه عدة أنواع من المخدرات يحول الجنود الى (آلات قتل) وأكثر من ذلك فقد تم التبليغ عن حالات صمود من المتعاطين أمام أدوات الشرطة فى أمريكا مثل الصعق الكهربائي ورذاز الفلفل والهراوات. بل حتى بالاصابة بالاعيرة النارية المباشرة وان كانت فى الصدر ،دون أن يصدر من المتعاطي تراخ أو تراجع، فلا عجب ان كثيراً من جنرالات الحرب كانوا يعتمدون على المخدرات لاستنباط أفضل أداء من جنودهم دون ان يحسوا ذلك. خلال الحرب العالمية ثبت ان ألمانيا النازية قادت جيشها باستخدام الامفيتامينات والكوكايين وغيرها من مستحضرات تحسين الأداء ، بل إن مجلة (مينتال فلوس) الأمريكية ذهبت الى ان حبوب الامفيتامينات توجد فى حقيبة كل جندي ألماني مع عدة الإسعافات الأولية .وأن الباحثين النازيون طورا نوعاً من اللبان (العلكة) تحتوي على جرعة من الكوكايين. ليس ذلك فحسب ، فقد ذهب الكاتب الألماني لعلم الجريمة ( وولف كبير) فى كتابعه (ألمانية المسرعة) أن احد المستحضرات التى استخدمها النازيون ( d9 ) كانت عبارة مركب من الكوكايين والامفيتامينات والمورفين ذات الصلة بتخفيف الألم وقال ان المركب تم اختباره على اسري الحرب بحيث توصل الأطباء النازيون الى ان الشخص موضوع الاختبار يمكنه السير لمسافة 55 كلم دون التوقف للراحة. وقبل انهيار النازية كان أولئك الأطباء يأملون فى بث الروح القتالية فى جنودهم ، تزامنت تلك الاختبارات مع هزيمة النازيين فى كل الجبهات ولحسن الحظ انتهت الحرب قبل اكتمال إنتاج العقار. وبحسب الدراسة التى نشرها (ماجنش وجاسون) فى ذات المجلة ان استخدام المخدرات لم يكن وقفاً على النازيين ففي دول المثلث الذهبي ( تايلاند ولاوس وميانمار) حيث تنمو نباتات الخشخاش بشكل جيد و استمرت لفترات طويلة تعتبر المركز العالمي لتجارة المخدرات ،على مدي قرون ظلت الجيوش الوطنية و الثوار والعصابات الإجرامية فى حروب من أجل السيطرة على الدخل الذى تحققه هذه المنتجات ،وفى السنوات الأخيرة بدأ المتمردون والعصابات فى تجنيد الأطفال وتقديم الأفيون والحشيش والفيتامينات لهم فى البلدان الثلاثة، ثم الدفع بهم فى هجمات السيطرة ما أدي الى مقتل أعداد كبيرة منهم وهم يقاتلون بجرأة متناهية تحت تأثير المخدر. وتدهش المجلة الأمريكية القراء بالكشف عن ان الجيش الأمريكي يستخدم (الامفيتامينات) لعهود طويلة منذ الحرب العالمية الثانية وحتى كتابة الدراسة، بل يجبر مقاتليه من الطيارين والمارينز على تعاطي ما اصطلح عليه بحبوب (الذهاب) المحتوية على(ديكسترو أمفيتامين سلفيت) لتعزيز القدرات القتالية وإبقاء الجنود متيقظين لفترات طويلة. وليس يعداً حادثة (النيران الصديقة) فى أفغانستان عندما القي طيار أمريكي قنبلة عالي قاعدة كندية فى العام 2002 وبرر ذلك بأنه كان تحت تأثير تلك الحبة. كما لم يسلم المجاهدون الأفغان ومن بعدهم حركة طالبان من الاتهامات باستخدام المخدرات وسط مقاتليها ، فضلاً عن الاتجار بها، وهنا فى السودان لم تنقطع مجالس المدينة فى عهود متفاوته من الحديث عن تعاطي (البنقو) فى مناطق العمليات ولدي بعض سائقي الشاحنات للمسافات الطويلة. و على مدي عقدين من رزحت أفريقيا تحت الحروب الأهلية و كان معظم مقاتليها من المراهقين والأطفال المخدرين بالحشيش والأفيون و فى مناطق مختلفة من أفريقيا خرج العديد من الرؤساء والجنرالات بإتهام المتمردين عليهم بالتعاطي لحبوب الهلوسة والامفيتامينات، فما الذى تفعله العقاقير؟ حبوب الهلوسة (أل أس دي) مخدرات تجعل الدماغ غير قادر على الاستيعاب و تظهر آثاره غالباً بعد تناولها بنصف ساعة و يستمر المفعول 12 ساعة. وتختلف التجربة من شخص لآخر لذلك يصعب وضع تصنيف فى هذا الإطار ويقول المتعاطون لهذه الحبوب ان الأشياء تبدو لهم أكثر لمعاناً وقد تبدو ايضاً وكأنها تتحرك او ضبابية، وبمجرد ما أن تبدأ الرحلة حتى تصبح التحكم فيها أو إيقافها أمراً مستحيلاً وقد يؤدي تناول هذه المخدرات الى تكوّن ارتباط نفسي باستعمالها. أما الإكستاسي أو حبوب النشوة من مشتقات الامفتامين وهو يصيب بالهلوسة وزيادة نشاط الدماغ ، ويقول مستعملوه انه يمنحهم شعوراً بالنشاط و الخفة و يليه إحساس بالسكينة ويزعمون أنه يزيد من يقظتهم إزاء ما يحيط بهم . غير أن الإكستاسي وعلي غرار العديد من المخدرات يجعل طبع الشخص حاد بشكل مبالغ فيه. والامفيتامين قد تكون على شكل أقراص او كبسولات او مسحوق ترفع من وتيرة خفقان القلب وربما زيادة ضغط الدم . ويقول مستعملوا هذا النوع إنهم يشعرون بمزيد من الثقة والطاقة الروحية الاجتماعية ويبدأ مفعول المخدر بعد تناوله بحوالي نصف ساعة ويستمر لعدة ساعات. منذ مطلع القرن الماضي ظهرت العديد من هذه العقاقير لاستخدامات طبية وعلاجية ومع أوائل التسعينات توقفت معظم شركات الدواء العالمية عن إنتاج هذه المنشطات. وهنا ظهرت مشكلة أخري حيث بدأ تصنيعها خارج إطار القانون فى عدة دول بمعامل لا تتقن تركيبة هذه الأدوية ، وغني عن القول الآثار المدمرة و المميتة لتعاطي هذه المواد بصورة متكررة ، وفى بعض التقديرات يُشار الى ان سعر الحبة المهلوسة الواحدة يزيد عن 10 دولارات أمريكية (30جنيه)! نقلا عن الأهرام اليوم 2/5/2012م