شهدت الجبهة السودانية – الجنوبية، تطورات شتي منذ صدور قرار مجلس الأمن الدولي بالرقم 2046 الأربعاء الماضي. ففي الوقت الذي حدد فيه القرار مدة 48 ساعة لوقف العدائيات بين البلدين وأعلنت الحكومة السودانية التزامها بالقرار وخاطبت رسمياً أجهزة الاتحاد الإفريقي ومجلس الأمن، كانت قوات حكومة الجنوب تستغل الوضع وتشنّ هجماتها على أراضي سودانية أسفرت عن إحتلال ثلاثة مناطق على الحدود؛ إثنتان منها ضمن المناطق المتنازع عليها بين البلدين، وهما (كفن دبي وكافا كنجي) . كما لم تتوقف هجمات المتمردين السودانيين المدعومين من الحكومة الجنوبية حتى هذه اللحظة وآخره هجوم شنته حركة مناوي على منطقة كرنوي بولاية شمال دارفور قتل فيه حوالي 18 من قوات مناوي. والأمر على هذه الشاكلة بالطبع لا ينذر بخير ليس فقط علي صعيد الالتزام بقرار مجلس الأمن الذى لم يجف بعد حبره؛ ولكن حتى على صعيد إمكانية حلحلة النزاع الناشب بين البلدين والذي يتطلب استقراراً أمنياً ولو نسبياً يتيح المجال للتفاوض والتوصل الى حلحلة للقضايا الخلافية العالقة. ولا يدري أحد ما الذى تعول عليه الحكومة الجنوبية وهى تعبث بالقرار الدولي على هذا النحو السافر فى الوقت الذى هدد فيه القرار بتوقيع عقوبات تحت طائلة المادة 41 من الفصل السابع من ميثاق الأممالمتحدة، وهى عقوبات وإن كانت خارج إطار التدابير العسكرية التى تنص عليه المادة 42 من ذات الفصل، إلا أنها ذات طابع اقتصادي وتجاري ودبلوماسي من المؤكد أن آثاره السالبة على الدولة الجنوبية الوليدة تعتبر فادحة بكل المقاييس، فهي دولة وليدة تتحسس خطاها بالكاد وسط الدول وتحتاج الى دعمهم أو روابط تجارية واقتصادية ودبلوماسية، خاصة فى ظل الحصار الذى أحكمته على نفسها بنفسها بعد أن قررت وقف ضخ نفطها جراء عدم توصلها الى اتفاق مع الجانب السوداني. كما أن إقدام الحكومة الجنوبية على رسم خريطة للدولة تتضمن كافة المناطق المتنازع عليها مع السودان، هو الآخر عمل عدواني لا يختلف كثيراً عن أعمال الحرب التى سبق وأن شنّتها على الأراضي السودانية، إذ أنّ مؤدي ذلك أن العدوان الجنوبي مستمر، وربما كان هذا الموقف مردّه الى عدم خبرة الجانب الجنوبي بكيفية التعامل مع المجتمع الدولي وكيفية احترام القرارات الدولية وتحاشي آثارها ونتائجها، ولكن يظل – مع كل ذلك – إصرار الحكومة الجنوبية على سلوك هذا المسلك مؤشر على إستحالة الوصول الى حلول للقضايا العالقة، ليس ذلك فحسب ولكن قد يصل الأمر الى درجة تعقيد هذه القضايا بما قد يجعل من فرص حلها ضئيلة. إنّ المجتمع الدولي بالطبع يري ويشهد ما تقوم به جوبا وهو أمر يعيد الى الذاكرة ما كانت ولا تزال تفعله اسرائيل التى اُشتهرت بخرقها ومصادمتها للقرارات الدولية إعتماداً منها على العامل الأمريكي الذى كثيراً ما تكفل بإستخدام حق الاعتراض ليحول دون تعرضها الى عقوبات. قد تعول جوبا هى الاخري على هذا العامل بعدما صرّحت المسئولة الأمريكية السابقة (جنداي فرايزر) فى مقابلة لها مع قناة (سي أن أن) الإخبارية الأمريكية مؤخراً أن واشنطن ليست محايدة مطلقاً فيما يخص النزاع السوداني الجنوبي!