لم تكن الأجواء مواتية بالشكل الذى كانت تتطلع إليه الولاياتالمتحدة لإستصدار قرار دولي بشأن النزاع القائم بين الخرطوموجوبا؛ خاصة وأن القرار يُراد له أن يصدر ضمن نطاق الفصل السابع من ميثاق الأممالمتحدة، أحد أهمّ وأخطر فصول الميثاق الدولي ؛ وخاصة أيضاً أن مشروع القرار تقف خلفه الولاياتالمتحدة مع إقرارها الصريح - كما قالت السيدة (جنداي فرايزر) المسئولة الأمريكية السابقة - بأنها ليست طرفاً محايداً فى النزاع السوداني الجنوبي، وأنّ جوبا أقرب إليها وبينهما مصالحاً مشتركة. ولهذا فإن من المحتمل وفق هذه المعطيات الماثلة أن يواجه مشروع القرار صعوبات جمة من شأنها إما التقليل من حدة صياغته، وهذا ما حدث بالفعل وهو ما منح السودان فرصة أوسع لمحاصرة القرار بوسائل شتي قدر ما يستطيع، بما قد يؤدي إلى إفراغه من مضمونه. بدءاً، لا بُد من الإقرار بأن المهمة التى تنتظر السودان تبدو صعبة بسبب الانحياز الأمريكي الذى يمكن أن نصفه بأنه أعمي للجانب الجنوبي، والأسوأ من ذلك أن السيدة رايس سفيرة الولاياتالمتحدة فى مجلس الأمن لم تكُف طوال الفترة الماضية عن البحث عن شتي الوسائل والسُبل التى تحكم عبرها الحصار الدولي على السودان، وهى بهذا الصدد تستعين بعدد من جماعات الضغط والسُود الذين ظلوا يشكلون عنصراً ضاغطاً فى كل شأن يتصل بالسودان. فعلوا ذلك ولا يزالوا يفعلون بشأن دارفور؛ كما فعلوا ذلك أيضاً فيما يخص جنوب كردفان والنيل الازرق ومن المتوقع ان يحاولوا ذات الشيء فى ما يخص النزاع الجنوبي السوداني . المهمة إذن ليست سهلة، ولكن رغماًُ عن ذلك فإن هنالك عقبات طبيعية من الممكن أن تقف فى وجه مشروع القرار، أولها الشعور الدولي العام الذى بدأ يتصاعد وعزّزه العدوان الجنوبي غير المبرر علي هجليج بأن جوبا تتصرف على نحو غير مسئول، بدءاً بوقف ضخ نفطها دون مسوغات تاركة شعبها يعاني الأمرَّين، معولة على المعونات الخارجية، وإنتهاءاً بأزماتها الداخلية المتمثلة فى الانهيار الاقتصادي الوشيك وعدم الاستقرار الأمني. هذه القضايا تحتاج الى ضغوط سياسية على جوبا لمعالجتها بإستعدال كفة الميزان ووضع الأمور فى نصابها، وإذا ما حدث ذلك - بأسرع ما يمكن - فإن من السهل جداً دفع الطرفين المتنازعين للتفاوض للتوصل الى حلول مرضية بينهما. وتري دول عديدة مثل بريطانيا وفرنسا إن الأولوية لإصلاح إدارة الشأن الجنوبي قبل حلحلة النزاع الحدودي، وذات الشيء يمكن أن ينطبق على السودان الذى من الممكن أن يحلحِل أزماته الداخلية، قبل أن يجلس للتفاوض. خلاصة الأمر هنا أن إصلاح البيت الداخلي وتفعيل اتفاق وقف العدائيات كفيلان بتهيئة المناخ لمحادثات فاعلة. أما ثاني العقبات فتتمثل فى أن تفعيل الفصل السابع واستجلاب قوات دولية فى حدود متوترة ولا غني فيها عن الحراك الاجتماعي ونقل السلع والبضائع من شأنه أن يخلق بؤراً إرهابية، وجماعات غاضبة تجتذبها رائحة التواجد الدولي المسلح وتعتبره مرتعاً خصباً لها لتصفية حسابات، وهو ما قد يجعل من القضية برمتها إضافة تعقيد للقضية لم تكن هنالك حاجة له. ويحضرنا هنا المثال التشادي السوداني، حيث لم تنجح كل محاولات استجلاب قوات دولية على الحدود مشمولة بالفصل السابع والشيء الوحيد الذى نجح وآتي ثماره هو التعاون المشترك بين الجانبين وعبر قوات مشتركة، ثبت أنها بالفعل نجحت فى الحد من التوتر بين الدولتين. وأخيراً فإن العقبة الكئود والتي لا ينفك غالب المراقبين يعول عليها هى العامل الصيني والروسي، وهما عاملان ليس لعاقل أن يقلل من وزنهما الدولي. صحيح إن الأمر ربما يصل الى درجة استخدام حق النقض وإن لم يكن هذا الاحتمال مستبعداً تماماً، ولكن تدخل موسكو بصياغة أكثر توازناً أمر وارد خاصة وأنّ الاتحاد الإفريقي لم يُمنح الفرصة الكافية لمتابعة قراره، وهو جهة إقليمية لها سلطانها وإرادتها وقدراتها وأثبتت وجودها فى غير ما مجال، خاصة حفظ الأمن فى دارفور رغم كل المثالب التى قد تُقال. وهكذا، فإن مشروع القرار الأمريكي ظل يتأرجح ما بين مقترحات الصياغة والجرح والتعديل، حتى افضى الى ما أفضي اليه ولم يكن بالصورة التي كانت تريدها الولاياتالمتحدة، فقد تغيّر العالم كثيراً جداً ولم تعد الأمور كما كانت فى السابق!