قالت الحكومة السودانية إنها ستعمل على تنمية وتعظيم الجوانب الإيجابية فى القرار الدولي 2046 . وقال وزير الخارجية السوداني على أحمد كرتي للصحفيين – الخميس الماضي – إن التعاطي الايجابي مع القرار يمثل الخيار الأفضل لبلاده، وأنّ من الطبيعي القبول بالقرار. ويأتي هذا التطور من جانب الحكومة السودانية فى أعقاب جدل كثيف انتظم العديد من أورقة صنع القرار وداخل وخارج المنظومة الحكومية و الحزب الحاكم؛ ما بين من يعتقد أنه لابُد من مناهضة القرار بشتي السبل، وما بين من يري ضرورة التعامل مع الجانب الايجابي منه أملاً فى فتح قنوات للحوار بشأن الجوانب الأخري السالبة. ولهذا فإن السؤال الذى يتعين الإجابة عليه من خلال كل ذلك هو، على أىِّ حسابات وعلى أى اعتبارات قبلت الحكومة السودانية القرار الأممي وما هي رؤيتها للمستقبل القريب والبعيد بهذا الصدد؟ أولاً: لا بُد من الاشارة بدءاً الى ان الصياغة النهائية التى خرج بها القرار لم تقف عند ذات الصياغة الامريكية وحدها. هنالك (أقلام) أخري تدخلت بالحذف والتعديل فى متن القرار وهوامشه ومن المؤكد أن الحكومة السودانية لديها العلم بحجم التدخل والتعديل وإصلاح صياغة القرار سواءً من جانب روسيا، أو الصين؛ وقد قادت الدبلوماسية السودانية حراكاً محموماً واسع النطاق فى هذا المنحي قبل صدور القرار ولا شك أن هذا الحراك أسفر فى النهاية وأفضي الى الصياغة النهائية التى ظهر بها القرار. وبهذا يمكن القول إن الحكومة السودانية حين تعلن رسمياً قبولها بالقرار إنما تضع فى حساباتها الجهود الحثيثة التى بذلها أصدقائها فى مجلس الأمن لتخرج الصياغة متوازنة في إطار معادلة تحتوي على توازن القوى الدولي من جهة وتوازن مصالح هذه القوى حيال البلدين المتنازعين، ولعل هذه النقطة تحديداً تمثل إحدي أهم النقاط الجديرة بالإهتمام؛ فالقرار فى مجمله كان نتاج حسابات دولية وإقليمية معقدة من المهم أن تحتفظ لها الخرطوم بقيمتها السياسية جيداً. الإعتبار الثاني أن الحكومة السودانية تري نقاطاً ايجابية واضحة فى القرار تتمثل فى قضية التفاوض والإقرار بما جري فى هجليج وضرورة التعويض عن الخسائر التى حدثت والمساواة بين الجانبين – السودان وجنوب السودان – فى العقوبات؛ حتى ولو على المستوي النظري، ففي النهاية هناك مؤشر على ان المجتمع الدولي ينظر الى النزاع مجتمعاً دون أن يمنح طرفاً ميزة ويمنعها من الآخر؛ وهى نقطة -ومهما كانت نظرتنا الى تداعياتها- تصب فى وعاء عدلي يصعب التقليل منه لأننا لم نلج بعد المحك العملي والإختبار الفعلي. الاعتبار الثالث: أن الحكومة السودانية وكما قال الوزير كرتي ستسعي – عبر حوار متصل مع الفريق عالي المستوي الذى يتولي التفاوض – لتعديل واصلاح بقية فقرات القرار. وهى دون شك عملية ليست سهلة وإن كانت ممكنة، سواء بإبداء أقصي درجات حسن النية، والحرص على إنفاذ الفقرات المقبولة والتى ستترجم فى تقارير الأمين العام الدورية، أو بالعمل على الدفع بالحوار حتى يصل الى أورقة المنظمة الدولية نفسها، إذ أن هنالك أمور لابُد أن يتكاثف حولها الحوار فترة من الوقت حتى نجد حيزاً لها على المنصة الدولية فى نيويورك. الإعتبارالرابع: إدراك الحكومة السودانية أن لديها خبرة تراكمية واسعة النطاق، شديدة العمق بالقرارات الدولية فى الوقت الذى لا تتوفر هذه الخبرة لدي الجانب الجنوبي، ومن ثم فإن موافقة الخرطوم على القرار يجنبها مسبقاً أىّ تحركات دولية ذات طابع عدائي وفى الوقت نفسه يتضح للمجتمع الدولي أن الطرف الجنوبي ليست لديه القدرة للتعامل مع القرار بالصورة المطلوبة ؛ بإختصار الخرطوم تراهن على (فارق الخبرة) بين الجانبين لتكسب أرضية دولية أفضل وهو أمر يفيدها كل الفائدة فى النقاش والحوار والمنطق السياسي بين القوى الدولية فى المجلس. وأخيراً فان الخرطوم دون شك تضع إعتباراً كبيراً للغاية للموقف الروسي المعلن من أنّ روسيا – بصفة عامة – تعارض مبدأ العقوبات فى المجلس فهو موقف له نماذج، وأمثلة ظاهرة (نموذج سورياً) وسيكون على الخرطوم ان تتخذ مواقفاً إيجابية بإستمرار حتى تتشكل صعوبة فى اللجوء الى نص المادة 41 من الفصل السابع الواردة فى القرار والمتعلقة بإمكانية فرض عقوبات اقتصادية ودبلوماسية. وعلى كلٍ، فإن السودان فيما يبدو يتخذ مواقفاً ايجابية كنوع من تغيير تكتيكاته مع المجتمع الدولي وهو أمر مشروع اذا كان قد حدد بدقة الطريق الذى يتعيّن عليه السير فيه دون مفاجآت أو حوادث عابرة!