من المتوقع خلال هذا اليوم استئناف المفاوضات من جديد بين دولتيْ السودان وجنوب السودان، وهو أول مؤشر إيجابي في العلاقات المضطربة بين الطرفين التي تميزت خلال الشهور الأخيرة باندلاع القتال بينهما واحتدام الصراع بين قواتهما. فبعد سلسلة من عمليات القصف الجوي على جنوب السودان نفذتها القوات الشمالية تحرك جيش الجنوب عبر الحدود إلى بلدة هجليج الغنية بالنفط في الشمال، ما أدى إلى وقف إنتاج النفط قبل أن تنسحب القوات الجنوبية بضغط من المجتمع الدولي، ومنذ انفصال جنوب السودان عن الشمال في يوليو 2011، بعد تنظيم استفتاء فضل فيه الجنوبيون خيار الاستقلال على الوحدة، والمناوشات المسلحة بين الجانبين متواترة ليتحول الصراع إلى مشهد متكرر في العلاقات بين البلدين. والسبب يعود في جزء منه إلى عدم الاتفاق حول رسم الحدود وتحديدها بوضوح، وإلى الفشل في التوافق على اقتسام عائدات النفط، وبعد ضغط دولي متواصل على الطرفين لوقف الاقتتال وإنهاء الأعمال العدائية بينهما صرح الناطق الرسمي باسم الحكومة السودانية، أن البلدين اتفقا بالفعل على وقف فوري لإطلاق النار. كما أعلن المبعوث الخاص للاتحاد الإفريقي والرئيس السابق لجنوب إفريقيا، تابو مبيكي، عن استئناف المفاوضات بين الجانبين خلال الأسبوع الجاري في العاصمة الإثيوبية، أديس أبابا، ليمثل ذلك فرصة جديدة لتسوية القضايا العالقة. وفي هذا السياق نقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن المتحدث باسم الحكومة السودانية قوله "لقد بدأ الطرفان بالفعل في تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار وخريطة الطريق المؤدية إلى المفاوضات". وتأكيداً لانخراط جنوب السودان في المفاوضات المرتقبة صرح مكتب كبير مفاوضي جنوب السودان، باجان أموم، لوكالة "رويترز" أن الجنوب سينضم إلى المباحثات، قائلاً "إن حكومة جنوب السودان كانت سباقة للدعوة إلى عقد اجتماع في أقرب فرصة لتسوية الخلافات القائمة مع الشمال، واتفقنا على بدء تلك المباحثات في 29 من مايو الجاري". وبالنظر إلى الجهود الدبلوماسية التي بُذلت من أطراف دولية عدة لإنهاء الحرب الأهلية الممتدة بين الشمال والجنوب، والتي توجت باتفاقية السلام في 2005 ممهدة الطريق للاستفتاء. وبالنظر أيضاً إلى الحاجة الاقتصادية لنفط الجنوب وإعادة ضخه في الأسواق العالمية بعدما أوقفت جوبا تدفق النفط عبر الشمال، سارعت الدول المعنية بالصراع في السودان إلى إبداء ترحيبها عقب الإعلان الأخير عن استئناف المفاوضات لإنهاء الاقتتال المستجد بين الطرفين. والحقيقة أن البلدين معاً سواء في الشمال، أو الجنوب، يحتاجان إلى وقف الصراع بسبب التكلفة الاقتصادية الباهظة للحرب، ولاسيما أن الاقتصاد في البلدين يمر بأوقات صعبة ويعاني المواطنون من مشاكل عديدة. ولكن مع ذلك ليس من السهل إقناع المقاتلين المخضرمين في البلدين الذين اعتادوا على معاداة بعضهم بعضاً بإلقاء السلاح والانخراط في البحث عن حلول سلمية للمشاكل القائمة. وقبل أيام قليلة فقط بدا أن الطرفين مصممان على مواقفهما المتصلبة، حيث أصر جنوب السودان على اتهام الشمال بعدم سحب قواته من المناطق الحدودية، فيما أكد الشمال أنه لا يفكر في أي مفاوضات مع الجنوب ما لم توضع القضايا الأمنية على أجندة النقاش حتى قبل مناقشة ترسيم الحدود واقتسام النفط، بيد أن الدول المجاورة للسودان التي يهمها الاستقرار في البلدين ضغطت على الحكومتين لتقديم تنازلات والاتفاق على العودة إلى المفاوضات. وهذه الضغوط الإقليمية عبر عنها رئيس الحكومة الكينية، رايلا أودينجا، الذي قال لمحطة "سي. إن. إن" مطلع الأسبوع الجاري: "لاشك أن الأمور لو استمرت على حالها ستؤثر على تدفق النفط إلى الأسواق العالمية، ولن تسكت الدول الكبرى على ذلك"، مشيراً في الوقت نفسه إلى ضرورة الزيادة في عدد قوات حفظ السلام الإفريقية التي تراقب الحدود بين الشمال والجنوب، مضيفاً أنه "فيما عدا قضية النفط التي تهم المجتمع الدولي، هناك أيضاً العدد الكبير من الأرواح التي ستزهق في حال استمرار القتال بين الطرفين على الحدود". وكانت البلدان الغربية قد حذرت جنوب السودان بشكل واضح من أن دخولها بلدة هجليج في الشمال يمثل توسعاً غير مرحب به، ولاسيما أن الجنوب ما زال يعتمد في إدارة دولته الجديدة على مساعدات الدول الغربية. ولكن طرفي النزاع معاً، الشمال والجنوب، يعتبران هجليج التي تنتج أكثر من نصف نفط الشمال جزءاً من أراضيهما، وعن هذا الموضوع يقول المبعوث الأميركي للسودان، "برينستون ليمان": "شعرنا أنه من الخطورة بمكان دخول قوات الجنوب لبلدة هجليج، حيث اعتبرنا أن ذلك يتجاوز الدفاع عن النفس". ومهما تكن الأسباب والدواعي التي دفعت الطرفين إلى استئناف المفاوضات سواء كان الضغط الدولي، أو المطالب الإقليمية، يبقى الجلوس إلى طاولة المفاوضات مرة أخرى أمراً مطلوباً، ولاسيما في ظل الظروف الإنسانية الصعبة في المنطقة، حيث تشير الأرقام إلى وجود 2,7 مليون مدني على جانبي الحدود يعانون من سوء التغذية، كما أن مئات الآلاف من الأشخاص هجّروا من منازلهم، هذا بالإضافة إلى 700 ألف جنوبي من الذين يعيشون في الشمال لم تسوَّ أوضاعهم بعد، فيما يعيش أكثر من 1,7 مليون شخص من دارفور في مخيمات للاجئين بعد سنوات من الصراع المسلح في ذلك الإقليم أيضاً. سكوت بالدوف كاتب ومحلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور» المصدر:الاتحاد 29/5/2012م