دفع السودان مطلع هذا الاسبوع بشكوي الى مجلس الأمن الدولي بمقره فى نيويورك ضد دولة جنوب السودان. الشكوي التى تعتبر الثالثة من نوعها فى غضون أقل من عام منذ انفصال دولة جنوب السودان تضمّنت عدداً من الخروقات قالت الحكومة السودانية ان الحكومة الجنوبية قد ارتبكتها فى الثمانية عشرة يوماً الماضية، وجاءت أبرز الخروقات فى ثنايا الشكوي – بحسب المندوب السوداني الدائم فى نيويورك السفير دفع الله الحاج – تسلُّل قوات جنوبية قوامها كتيبتان مصحوبة بمدرعات وآليات ثقيلة (مدافع وراجمات) الى منطقة قريبة من منطقة الميرم بعمق بلغ 23 كلم شمال حدود 1956م، تصدي لها الجيش السوداني وحالَ دون تمكنها من إحتلال المنطقة. وفى يوميّ 22 و23 من مايوالجاري قام الجيش الشعبي بمحاولة للسيطرة على المناطق (كفيا كنجي، سيري ملاقا، سماحة) بولاية جنوب دارفور بالتعاون مع الحركات الدارفورية المسلحة، كما جرت محاولة للسيطرة على منطقة تلودي لأكثر من مرة، وذات الشيء فى مناطق أم دافوق بجنوب دارفور. هذه الخروقات الجنوبية الخطيرة تكتسب خطورتها من كونها وقعت بعد صدور القرار 2046 من مجلس الأمن الدولي فى الثاني من مايو الجاري على الرغم من أن القرار دعا الى وقف فوري للعدائيات بين الطرفين فى غضون 48 ساعة، ولهذا فإن شكوي الحكومة السودانية هذه وإن كانت كما أشرنا، الثالثة من نوعها فى غضون أقل من عام، إلاّ أنها تبدو مختلفة تماماً عن سابقاتها وتكتسب أهمية خاصة، من المؤكد انها تضع القوى الدولية على المحك. فلو كانت وشنطن فيما يخص الشكاوي السودانية السابقة عمِلت على تحاشي مناقشتها وإتخاذ قرار بشأنها - لسبب أو لآخر - فإن الشكوي الحالية الجديدة من الصعب إن لم يكن من المستحيل تجاوزها أو التقليل منها مهما كانت درجة الانحياز الامريكي للطرف الجنوبي وذلك لعدة إعتبارات؛ أولها أن هذه الخروقات سوف ترِد لا محالة فى التقرير الدوري لأمين عام المنظمة الدولية بشأن القرار 2046 ، وهو تقرير نصَّ عليه القرار، وذلك حتى يهتدي به المجلس فى النظر بشأن الأوضاع بين البلدين حيث يصعب على الأمين العام أن يتجاهل مثل هذه الخروقات. الإعتبار الثاني ان هذه الخروقات حتى ولو لم ينظر فى أمرها المجلس على خلفية هذه الشكوي، فإن القرار 2046 سوف يفرغ تلقائياً من مضمونه، لأنّ لا أحد بوسعه لاحقاً السعي لإدانة السودان فى هذا الصدد، بل إن تجاهل الشكوي السودانية سوف يجعل مهمة واشنطن لإدانة السودان لاحقاً صعبة اذا ما سعت في إستصدار قرار ضد السودان لأن الأعضاء الآخرين فى المجلس مثل الصين وروسيا سيجدونها سانحة لعرقلة أىّ تحرك أمريكي ضد السودان طالما أن جوبا ظلت بمأمن من كل شيء مع إرتكابها لكل هذه الخروقات. ويعتقد بعض المراقبين هاتفتهم (سودان سفاري) فى نيويورك ان جوبا فيما يبدو ظلت بإستمرار تسبب حرجاً لواشنطن فى مثل هذه المواقف جراء تصرفاتها الفردية غير الحكيمة على حد وصفهم. الاعتبار الثالث ان الشكوي السودانية – رغم موثوقيتها بما حوته من أدلة – إلا أنها لم تدفع السودان لتعليق المفاوضات بما يُستشف منه نية السودان الحسنة وحرصه على التفاوض بعكس الموقف الجنوبي الساعي لعرقلة المفاوضات، حيث لا يشك أحد أن الخروقات الجنوبية المتواصلة والمتتالية هدفها الرئيسي عرقلة المفاوضات أو تعقيدها، أملاً فى أن تتكفل واشنطن - بمعرفتها الخاصة - بالضغط على السودان لكي يقدم تنازلات للحكومة الجنوبية، وهذه النقطة تُحسب إيجابياً فى كل الاحوال لصالح السودان، الذى أكسبته خبرته فى التعامل مع القرارات الدولية مهارات خاصة فى كيفية إدارة الأزمة. على كلٍ فإن إفراط الجانب الجنوبي فى التعويل على العامل الامريكي - تماماً كما تفعل اسرئيل - رغم الفرق الهائل فى المقارنة من شأنه أن يقلب السحر على الساحر عاجلاً أم آجلاً، وكما يقولون ليس فى كل مرّة تسلم الجرّة!