كانت بحق جلسة الثلاثاء الخامس من يونيو 2012 بمجلس الأمن جلسة تاريخية أبي فيها التاريخ إلاّ أن يسطر بمداد لا يُمحي آخر سقطات رجل إئتمنه المجتمع الدولي لتسع أعوام علي العدالة الدولية ولكنه لما كان أبعد ما يكون عن الأمانة والتأهيل واللياقة فقد سقط شر سقطة! في تلك الجلسة كان مجلس الأمن علي موعد مع المدعي العام لمحكمة الجنايات الدولية المنتهية ولايته لويس مورينو اوكامبو ليقدم تقريره الروتيني الدوري وهو بالنسبة لأوكامبو كان آخر تقرير ينصرف بعده مشيعاً بلعنات التاريخ تاركاً المنصب لخلفه الغامبية القاضية (فاتو مينسوتا). اوكامبو طالب في تقريره بضرورة أن يطلب مجلس الأمن من الدول والمنظمات الإقليمية والدولية المساهمة في اعتقال الرئيس السوداني المشير البشير والمسئولين الثلاثة المتهمين معه، مؤكداً رفض الحكومة السودانية التعامل مع محكمته، وبالطبع ما كان لأحد أن يشك لحظة أن الرجل مدفوعاً بمرارة خاصة وشعور عارم بالفشل والإذلال، طلب هذا المطلب علي الأقل لكي يباهي فيما بعد أنه وحتي آخر لحظة من وجوده في المنصب الدولي المرموق كان يكافح من أجل اعتقال المسئولين السودانيين. وعلي الرغم من أن الطلب في حد ذاته يعكس عمق أزمة الرجل وفشله الذريع إلا أنه علي أية حال كان سعياً منه لحفظ ما وجهه ووضع الكرة في مرمي مجلس الأمن. الي هنا يمكن القول أن الأمر جاء في سياق عادي وان من الطبيعي أن يسعي اوكامبو لمحاولة معالجة فشله ولكن ما لم يكن عادياً وكشف عن فقدان الرجل لأعصابه وشعوره الداخلي بالألم الشخصي، أنه وما أن إنبري له مندوب السودان الدائم في المجلس السفير دفع الله الحاج بالردّ كأمر طبيعي مُتعارف عليه حتى كان اوكامبو قد وصل ذروة انفعاله وخانته أعصابه وفقدها في ثواني لتتلاطم الألفاظ والكلمات الجارحة علي لسانه غير المبين. هاجم أوكامبو السفير دفع الله الحاج هجوماً مفزعاً غير مألوف ليس في الأوساط السياسية والدبلوماسية ولكن حتى في الأسواق وتجمعات الدهماء والرجرجة والموتورين؛ ووصل هجوم اوكامبو علي مندوب السودان الدائم الي درجة تهديده بتقديمه الي المحكمة. لقد انعكس اللؤم والحرج الشخصي الدفين والغل المتزايد في صدر اوكامبو علي اللحظة التاريخية الأخيرة التي أبي التاريخ إلا أن يرصدها لرجل العدالة الدولية المنهك الأعصاب والذهن، والمفارق للكرسي الذي طمره في تراب السياسة ووحل الاستخبارات ومستنقعات المؤامرات الدولية. وتشير متابعات (سودان سفاري) في نيويورك إنّ العديد من الأوساط الدبلوماسية هناك دُهِشت غاية الدهشة من مسلك اوكامبو المفارق للدبلوماسية والأعراف والتقاليد المرعية، إذ من الطبيعي أن ينبري مندوب السودان للدفاع عن بلاده فتلك هي مهمته الأولي التي سافر من أجلها الي نيويورك، وهذا يجري في سياق العمل الدبلوماسي الذي لا مجال فيه للأمور الشخصية والملاسنات ذات الطابع السوقي، والأكثر دهشة أن اوكامبو رجل قانون أو هكذا يفترض فيه ورجل القانون علي وجه الخصوص هو الأكثر حرصاً علي هدؤ الأعصاب ووزن عباراته بميزان الذهب، فهو كما يفترض يمارس خصومه يسميها رجال القانون والعدالة في أعرافهم (خصومة شريفة) لا مكان فيها للغل الشخصي أو استهداف الأشخاص أو استخدام عبارات جارحة أو مسيئة. إن ما حدث من اوكامبو في جلسة الثلاثاء تلك كان تعدياً جنائياً وتهجماً شخصياً وفق توصيف القوانين الجنائية علي سفير دولة يتمتع بكامل حصانته الدبلوماسية، ومن ثم كان ولا يزال ممكناً أن تتم مقاضاة اوكامبو لهذا السبب، خاصة وأن وقائع ما جري موثقة ومسجلة في مضابط المجلس وتمت أمام أعين وتحت سمع وبصر الجميع. وعلي كلٍ فالرجل نضح بما فيه ولم يأتِ بجديد.