تسبّب مبلغ 350 مليون دولار هو حجم المعونة السنوية التى تتلقاها دولة ملاوي من الولاياتالمتحدة فى تضحية حكومتها بفعاليات القمة الافريقية رقم 19 والتى كان مقرراً أن تنعقد بعاصمتها (ليلونغوي) فى يوليو المقبل. الحكومة السودانية التى استشعرت عزم ملاوي على عدم توجيه الدعوة للرئيس السوداني المشير البشير لحضور فعاليات القمة بسبب مذكرة الجنائية الدولية، سارعت بقديم طلب مسنوداً بقواعد عقد القمم الافريقية الواردة فى صلب القانون الأساسي للإتحاد الافريقي والتى تحظر على الدولة المضيفة استثناء دولة من الحضور؛ وطلبت من الاتحاد الافريقي تحويل فعاليات القمة الى مقر الاتحاد الافريقي بعدما خالفت ملاوي المادة 5 من لائحة الاجراءات الداخلية، بالمساس بوحدة دول الاتحاد بتقديم دعوة للبعض، وحجبها عن البعض الآخر. وسرعان ما كسب السودان الجولة بإضطرار ملاوي للتخلي عن تنظيم القمة واستضافتها؛ الأمر الذى حدا بالاتحاد الافريقي لنقلها الى مقر الاتحاد بالعاصمة الاثيوبية أديس أبابا. الموقف الملاوي بدا شاذاً وغريباً للغاية، فقد قايض المساعدات الامريكية التى قالت الرئيسة الملاوية (جويسي باندا) إنها لا غني لبلادها عنها وأن بلادها تناضل من أجل اصلاح اقتصادها! وكأنما النضال لا شأن له بالمواقف المبدئية الراسخة، وإنما هو رعاية مصالح خاصة! ولعل الأمر الأكثر مدعاة للإستغراب فى هذا الصدد ان ملاوي بموقفها هذا تجاوزت كل المقررات الافريقية فى القمم السابقة والتى تحظر تماماً التعاون مع المحكمة الجنائية من جانب دول القارة الافريقية وأبرزها قمة (سرت) الشهيرة التى انعقدت فى العام 2009 والتى أصدرت القرار القوي الذى حمل الرقم 245 ، ثم تلته بالقرار 397 فى أديس أبابا يناير 2012 برفض أىّ تعاون مع لاهاي. من المؤكد أن ملاوي -مهما كانت مبرراتها- فارقت الجماعة الافريقية فراقاً صريحاً دافعه الاول والأخير مصالحها الذاتية الخاصة وعلى الرغم من أن هذا المسلك سبق لكل من يوغندا وكينيا أن سلكتاه فى مناسبات سابقة، إلاّ أن ملاوي بدت شديدة المبالغة فى إظهاره وتعاملها فيه على نحو صارخ للغاية؛ والأمر هنا لا يتصل بمصلحة السودان بحال من الاحوال وإنما يتصل بوحدة القرار الافريقي ومصالح دول القارة الأفريقية، فحين يجد بلد من بلدان القارة نفسه بعيداً عن مصالح دول القارة ويفضِّل التضحية بها، هكذا بمقابل (حفنة دولارات)، فإن هذا يزعزع فى الواقع مبدئية ووحدة القرار فى الاتحاد، فى وقت يناضل فيه الاتحاد الافريقي بإستمرار وإستماته من أجل الارتقاء بمواقف دول القارة لتسدّ الباب أمام موجة الاستعمار الجديد. ربما لن تتأثر ملاوي كثيراً بهذا الموقف طالما أنها أمِنَت جانب واشنطن ونجحت فى إرضائها، وربما لن تتأثر العلاقات بين ملاوي والسودان جراء تقدير السودان للموقف الضعيف الذى ناءت تحته ملاوي، ولكن من المؤكد إن مثل هذه المواقف تُسجل فى المضبطة المؤسفة لدول القارة بحيث تلازم حكومة ملاوي بقدر ملازمة سطور التاريخ، وتدين موقفها الذى فضّل التكتيكيّ على الاستراتيجي، وما أسهل إتخاذ مثل هذه المواقف ذات الثمن المتواضع!