فشل قوى المعارضة السودانية فى تحريك الشارع السوداني لإسقاط النظام الحاكم -لجمعتين متتاليتين- تسبقهما تهديدات وبيانات وتسميات لكل جمعة لا يعكس فقط التباعد الكبير الصارخ ما بين هذه القوى والشارع؛ ولكن يعكس أيضاً أزمة أكبر عمقاً فى فهم وإدراك هذه القوى المعارضة لأبعاد ما تقوم به. فالشارع السوداني – لو كانت قوى المعارضة تفهم – أكثر وأكبر وعياً من أن يُساق سوقاً للخروج وإسقاط النظام، فهو إن كان يريد لفعلَ دون الحاجة الى إشارة أحد أو دعوة أحد. بل دون الانتظار لجمعة هنا أو سبت هناك! وكون أن قوى المعارضة السودانية لا تزال وبعد مرور أكثر من عقدين من الزمان فى إنتظار الشارع السوداني ليحقق لها حلمها، فهذا فى حد ذاته يدل على سذاجة وسطحية تكفي وحدها لإثبات فشل هذه القوى ماضٍ وحاضراً, ومن البديهي مستقبلاً. غير أن الأزمة الكبري التى إما أنها فاتت على عباقرة قوى المعارضة أو أنهم يعلموا بها ومع ذلك لم يضعوا لها إعتباراً هو أنها سعت سعياً لتضييق مساحة الوضع السياسي القائم، فالدعوة للتظاهر هى فى جوهرها دعوة لا غبارعليها ما دام التظاهر سلمياً ولكن أثبتت التجربة أن التظاهر المطلوب من جانب قوى المعارضة هو الذى يشلّ حركة البلاد وتقع فيه أعمال تخريب، الأمر الذى جعل السلطة الحاكمة -وفق ما تمليه عليها واجباتها- أن تتخذ التحوطات اللازمة للحد من أىّ أخطار تهدد السلامة العامة أو تهدد الأمن القومي للبلاد. صحيح أن هذه الاجراءات والتحوطات لم تصل بعد الى درجة إعلان حالة الطوارئ مع أن هناك ما قد يستدعي ذلك وفق أحكام قوانين الطوارئ المعمول بها فى كل أنحاء العالم وفى أكثر البلدان إستقراراً وتحضُّراً. صحيح أيضاً أن السلطة الحاكمة لم تضيِّق مسار الحريات أو تنتقص من حقوق المواطنين مُتحجِّجة بهذه التظاهرات؛ ولكن بالمقابل فإن مجرد وضع قوات الشرطة والقوات المكلفة بالمحافظة على أمن البلاد فى حالة تأهب قصوي لمواجهة أىّ طارئ يطال سلامة الممتلكات العامة أو سلامة المواطنين والسير الطبيعي للحياة، يكلف الدولة مالاً من المؤكد أنه يزيد من الأعباء المالية التى تسعي الحكومة للتقليل منها وضبطها وفق السياسة التقشفية التى شرعت فيها والتى -للمفارقات- هى التي إستغلّتها قوى المعارضة للتحريض على التظاهرات! بمعني أوضح فإن قوى المعارضة التى تستنكر هذه الاجراءات التقشفية وتعتبرها ضارة بالمواطنين و بإقتصاد الدولة تسعي لتحميل الدولة واقتصاد الدولة المزيد من الأعباء المالية تحت ذريعة إسقاط النظام القائم وإبداله ببديل ديقمراطي! فقد بدأت الأمور تأخذ منحي مقلوباً تماماً، الحكومة تسعي لتقليل الضغط على الموازنة العامة لإصلاح مسيرة الاقتصاد ومعالجة ما إعتورها من مشاكل؛ قوي المعارضة السودانية من الجانب الآخر تسعي للضغط على الحكومة لتضطرها الى تفعيل أجهزتها الشرطية لمجابهة الاوضاع، فيتسع نطاق الصرف الحكومي بدلاً من أن يتقلص . هذه المعادلة فيما يبدو لم تأخذ الحيز الكافي فى أذهان قادة الاحزاب السياسية المعارضة الذين أعماهم نزوعهم الى السلطة والثأر من خصومهم فيها من أن يضعوا إعتباراً لهذه المفارقة الشديدة الأهمية والحساسية.