تماماً كما جفّت كل منابت الحركة الشعبية ومات غرسها فى ولاية النيل الأزرق منذ أن لحقت الهزيمة النكراء بالمتمرد مالك عقار ومجموعته التى فرّت معه وأصبحت النيل الازرق (خالصة) منذ أشهر؛ فإن ذات المصير جري للشعبية فى ولاية جنوب كردفان. وتشير متابعات (سودان سفاري) فى حاضرة الولاية كادوقلي الى أن مجموعة المتمرد الحلو غائبة تماماً عن المشهد هناك والاسباب فى ذلك فى غاية البساطة، فقد أدرك مواطنو المنطقة منذ الوهلة الأولي إن ما جري ليس لصالح المنطقة، حيث كاد أن يتعطّل الموسم الزراعي - العام الفائت - مع كونه أحد أهمّ المواسم التى تعتمد عليها الولاية، وهو ما دعا قيادات بارزة من قبائل النوبة هناك للتشديد هذا العام على ضرورة الإسراع بإعادة تأهيل واصلاح المنشآت العامة بالمنطقة وتأمين الموسم الزراعي الحالي؛ مطالبةً قادة وأعيان المنطقة بإعادة إعمارها هو أكبر دليل فى حدّ ذاته على الإنحسار التام للعمليات العسكرية وتراجع المتمردين بعد الضربات الموجعة التى وجهها لها الجيش السوداني فى الأشهر والأسابيع القليلة الماضية. وتقو ل مصادر سياسية مطلعة فى مدينة (تلودي) إن مجموعة الحلو لم يعد يشعر بوجودها أحد (إن وُجِدت) حيث صار من الصعب تماماً أن يُري أىِّ حراك مسلح فى ظل حرص المواطنين أنفسهم على محاصرة كل حملة السلاح فى المنطقة. ويشير أحد رجال الإدارة الأهلية هناك الى أن الجنود الذين غرّر بهم الحلو وخدعهم عاد منهم الآلاف عودة مصحوبة بقناعة راسخة ترفض الحرب لأنها أول ما تلحق، تلحق أضراراً مادية جسيمة ومباشرة بمصالحهم ومصالح أهلهم. رجل الإدارة الاهلية قال ل(سودان سفاري) إن أكثر من 6 محليات قريبة منهم خلت تماماً من أىّ عناصر مساندة للتمرد. وحين استفسرناه عن كيف يستطيع تأكيد ذلك قال إنهم أجرو حصراً بوسائل شعبية خاصة وأنَّ النتيجة كانت (إنعدام) المتمردين فى المحليات ال6 التى أشار إليها؛ وحتى الذين يحوم حولهم الشك – على حد قوله – أثبتوا عملياً أنهم ضد التمرد بعد أن تخلّصوا من السلاح، وإنخرطوا فى أعمالهم المعتادة. وقد أدي تسجيل حزب الحركة الشعبية جناح السلام بزعامة دانيال كودي مؤخراً الى توجُّه العديد من منسوبي الشعبية بتكوينها القديم الى الجسم السياسي الجديد بحثاً عن السلام والاستقرار، وهو ما دعا كودي للتصريح – الإثنين الماضي – بأنَّ حركته تقف ضد ما يسمي بالثورية وتعمل من أجل ترسيخ الأمن والسلام والاستقرار. وقال كودي إنهم لن يسمحوا بأن تصبح كادوقلي بوابة لتنفيذ أجندة ما يسمي بالجبهة الثورية . إنّ المشاهدات التى من الممكن أن يقف عليها الزائر لأنحاء متفرقة من ولاية جنوب كردفان لا تتعدي القليل من الهواجس لدي بعض المواطنين من الحرب، ولكن لا يوجد على الأرض هكذا وفى سياق الواقع الماثل ما يشير إلى أن هنالك مجموعات متمردة تقود هجمات أو قادرة على إعادة إختراق نواة مجتمع المنطقة الصلبة. أما من الناحية الانسانية، فإن هنالك أوضاع تستحق المعالجة إنسانياً وهناك من يحتاجون المساعدة وهو ما دعا السلطات السودانية لقبول المبادرة الثلاثية من الأممالمتحدة والاتحاد الافريقي والجامعة العربية لمعالجة الاوضاع الانسانية بالولاية، وحرص الحكومة السودانية فى ذات الوقت على عدم فتح الباب على مصراعيه للمنظمات التى يكون هدفها أن تستثمر فى الوضع هناك لأجندة خاصة, والواقع إن سيطرة الحكومة السودانية على منافذ دخول هذه المنظمات وتشديدها فى هذا الصدد على ضرورة أخد الإذن والتقيُّد بضوابط صارمة هو الذى حال بين إستغلال البعض لهذه الأوضاع على غرار ما سبق وأن جري فى إقليم دارفور، فالحكومة السودانية فيما يبدو تحرص على ألا تُلدغ من حجرٍ واحد مرّتين! وعلى ذلك فإن من السهل القول إن الحركة الشعبية المدعومة مباشرة من الحكومة الجنوبية وكما غابت وطمرتها أوحال الخريف فى جنوب النيل الأرزق، لاقت ذات المصير فى جنوب كردفان ولم يعد لها من وجود.