يختلف الاتفاق الاخير الذى تم مؤخراً بين الجارتين السودان و تشاد كثيراً جداً عن كل المرات السابقة ، إذ على الرغم من الاتفاق فى مضمونه ليس جديداً- إذ أنه يدور حول تأمين حدود البلدين ومنع العمل المعادي من معارضي كل بلد – إلاّ ان الجانب العملي و الفعلي للإتفاق لم يكن فى السابق يلقي اهتماماً على الارض . هذه المرة الاتفاق وجد طريقه للترجمة الفعلية على ارض الواقع ؛ فمن جهة أولي طردت الحكومة التشادية حركة العدل و المساواة التى يتزعمها د. خليل ابراهيم ، و أخرجتها تماماً من حدودها ، لتدعها( هى و حظها) تأكل من خشاش الارض و تعتمد على قدراتها ، و قد كان هذا الامر ملاحظاً بشدة حيث بادرت حركة خليل باختطاف شاحنات تابعة لليوناميد ، يومي 24 و 31 يناير الماضي أى قبل نحو أقل من اسبوعين ؛ كما قادت حركة خليل – ربما مدفوعة بالغبن و الضيق – هجمات مسلحة شرسة ضد حركة مناوي فى منطقة جبل مون بولاية غرب دارفور ، سقط جراءها حوالي 119 من الطرفين ما بين قتيل و جريح . ومن جهة ثانية فان السودان و تشاد اتفقا و بدآ فعلياً فى إنفاذ تفاصيل الخطة الامنية على حدودهما ، و التى قضت باختيار 12 منطقة من كل جانب من حدود البلدين يتم فيها نشر 120 من قوات كل بلد فى الجزء الذى يلي البلد المعني . مهمة هذه القوات فى هذه المناطق التى تام اختيارها بعناية و دقة شديدين هى الحؤول دون قيام أى حركة مسلحة أو أى معارضين بالهجوم على حدود البلد الآخر . و تستعين هذه القوات لتنفيذ هذه المهمة بدقة ، بطائرات و عربات مزودة بكافة الاجهزة الحديثة لتسهيل مهمتها فى مكافحة تهريب السلاح و الانفلاتات الامنية و تجارة المخدرات . و من جهة ثالثة – و هذا هو الاهم – فان كل هذه التفاصيل تم انزالها الى الارض و على الطبيعة بواسطة وفدين عسكريين متخصصين فى هذه الجانب . و على ذلك يمكن القول ان الجانبين ، السودان وتشاد عازمين هذه المرةعلى وضع حد حقيقي و حازم لأزمة الحدود و الازمة الامنية التى جاوزت عامها السابع بينهما ، و التى تسببت فى تدهور العلاقات الدبلوماسية و السياسية . و لعل الامر المفيد فى هذا الاتفاق و فضلاً عن كونه يمنح الطرفين فرصة بناء ثقة و تدعيم الامن فان هذا يساعد على تهدئة الاوضاع الامنية غربي السودان و شرقي تشاد بصورة لم يسبق لها مثيل ، الأمر الذى من شأنه - بالنسبة للسودان – ان يدعم امكانية قيام مفاوضات سلمية فى دارفور لحل الازمة نهائياً أو على الاقل ضبط التفلتات بالاقليم ، و السماح باجراء الانتخابات بصورة هادئة. كما ان الاتفاق – بجديته هذه- ينزع عن كافة الحركات المسلحة ، خاصة الدرافورية منها أية غطاء كانت تتغطي به فى قيادة هجماتها مما يعيدها الى حجمها الحقيقي ، و هو حجم مطلوب بشدة لدواعي التفاوض، فقد لا زالت الحركات الدرافورية المسلحة تعطي نفسها وزناً ميالغاً فيه لا لشئ سوي لأنها (تستثمر) فى الدعم اللوجستي الخارجي و تجد الملاذ الآمن لدي دول الجوار . و يتبقي من الهم بعد ذلك ان تعض الجارتين على الاتفاق بالنواجذ ، فهذه هى أفضل فرصة و سانحة تتاح لها منذ سبعة أعوام ،و لهذا فان الامر مختلف تماماً بالفعل هذه المرة !