لزمت قوى المعارضة السودانية الصمت تماماً وهى تشهد عرقلة قادة ما يسمي قطاع الشمال بالمفاوضات الجارية بأديس أبابا. قوي المعارضة السودانية التى هى أصلاً منهكة من لهثها غير المجدي فى الملعب السياسي السوداني وفشلت - أكثر من مرّة - فى إستغلال كل الظروف التى كانت تعتبرها خير سانحة لإسقاط النظام الحاكم فى السودان، لم تستطع أن تنتقد عبث عرمان وعقار بعملية تفاوضية نادرة ساقها إليهم القدر على حين غفلة؛ والغريب أن قوى المعارضة ظلت تنادي بإستمرار بضرورة جلوس الحكومة السودانية الى طاولة التفاوض مع القطاع والعمل على إسترداد ما عُرف العام الماضي بإعلان المبادئ الشهير. والأكثر غرابة أن قوى المعارضة بلغها -سراً وجهراً- ما أعدّه لها قادة القطاع – عقار وعرمان والحلو – وهم أنفسهم قادة ما يسمي بالجبهة الثورية الذين قرّروا فى إجتماع لهم فى العاصمة اليوغندية كمبالا فى التاسع والعاشر من يوليو المنصرم ألاَّ يدعوا موطئ قدم للقوى السياسية السودانية فى المستقبل القريب الذى ينتظرونه، ووصفوهم بالقوى التقليدية ولم يبقَ إلاّ أن يدمغوهم بالرجعية. لم تسجل أىِّ مضابط سياسية لقوى المعارضة السودانية إستهجاناً من أىِّ نوع وبأىّ قدر لهذا السلوك السياسي الغادر الذى يسعي لجعل قوى المعارضة مائدة غداء قبل أن يصبحوا هم مائدة عشاء لها! وهذه فى الواقع هى جوهر أزمة المعارضة السودانية عموماً، فهي تيارات متشاكسة ومتقاطعة المصالح على نحو صارخ، ومع ذلك تتظاهر –لأغراض إعلامية– أنها في وعاء جامع واحد. إن الأزمة التى خلقها قادة ما يسمي بقطاع الشمال هى أزمة عميقة من المؤكد أن قادة قوى المعارضة السودانية هم فى مقدمة ضحاياها، إذ لا يُعرف كيف لهؤلاء القادة السياسيين أن يتوافقوا مع قادة يعملون بأموال الخارج وبأوامر أجنبية وخدمة لمصالح آخرين، وهى مصالح أبعد ما تكون عن مصالح السودانيين بدليل عزمهم التخلّص من هؤلاء القادة السياسيين التقليديين فى أول سانحة تسنح لهم! هل الأمر هنا يتصل بكون ما يسمي بقطاع الشمال يسند ظهره لحكومة أجنبية تمويلاً ورعايةً، والقوى المعارضة تود أن (تستفيد) من هذه الميزة السياسية؟ وماذا بإمكانها أن تستفيد والقطاع يتربّص بها هى قبل غيرها؟ هل قرّرت هذه القوى - رغم كل ما بها من ضعف وخور - أن تسلم قيادها طائعة مختارة لقادة يتجولون فى العواصم الخارجية ولا يستندون إلي أىِّ قاعدة شعبية؟ وكيف ستفعل هذه القوى فيما بعد حين يكون لزاماً عليها أن ترضخ لمشيئة الحكومة الجنوبية؟ إن مثل هذا الوضع الشاذ والمؤسف لا يليق بهذه القوى المعارضة مهما كانت درجة خصومتها حيال السلطة الحاكمة، ففي السياسية كما فى أمور أخري ليس من العيب أن يختار السياسي الحصيف مصلحة بلاده الحقيقة اذا كانت الخيارات الاخري بكل هذا القدر من السوء. فيا تري هل إنتبهت هذه القوي المعارضة واستيقظت من غفلتها وهى تساعد –بوعي وبدون وعي– قوة عدوّة لها تشاركها الأكل على موائد مشتركة وتغسل يدها من ذات الصنبور وتشرب ذات المياه؟