من المؤكد ان إتفاق التعاون المشترك بين دولتيّ السودان وجنوب السودان تأثر به سلباً ما يسمي بقطاع الشمال الذى يقوده كلٌ من عقار وعرمان والحلو. فالإتفاق بإقراره للترتيبات الأمنية والتى من أبرز عناصرها فك إرتباط الفرقتين 9 و 10 عن حكومة الجنوب، نزع أظافر القطاع عملياً، وفى ذات الوقت فإن مجرد وقف العدائيات والسحب المتبادل للقوات على الحدود ووضع رقابة على الحدود وإنشاء منطقة منزوعة السلاح يعني أيضاً تذويب أنشطة القطاع العسكرية المدعومة من الجيش الشعبي الجنوبي. وهكذا، من السهل جداً إستقراء المساحة المظلمة التى وجد القطاع فيها نفسه بين غمضة عين الحكومة الجنوبية وإنتباهتها. ويمكن القول بلغة السياسة -والسياسة مصالح- ان الحكومة الجنوبية ألقت بورقة قطاع الشمال على المائدة وقايضت القطاع (بأمور استراتيجية أخري) خاصة بها! لقد نقل هذا الوضع عرمان ورفاقه من خانة التمتُّع بمزايا المعالجات السياسية وميزاتها التفضيلية الى أزقة ضيقة من الخيارات الأكثر ضيقاً؛ إذ لا ينكر عرمان والحلو ,عقار أنهم -الثلاثة- كانوا قبل نحوٍ من عام ونيف فى حال سياسي أفضل، إذ على الرغم من إنفصال الجنوب، وتخليه عنهم إلاّ أنهم كانوا (مكفولين سياسياً) بحيث ما كان من الممكن ان يراودهم أدني شعور باليُتم السياسي! المتمرد عقار كان حاكماً لولاية كبيرة، غنية بالموارد البشرية والطبيعية، وأمامه فرصة شراكة سياسية ذهبية مع المؤتمر الوطني؛ والمتمرد الحلو هو الآخر كان نائباً للحاكم فى ولاية هى الأخري غنية بشرياً وإقتصادياً وكان فى شراكة مع الوطني. عرمان كان (سياسياً متجولاً) يتمتع بمزية ممالأة قوى المعارضة ومناكفة الحكومة، وله صلات برفيقيه عقار والحلو، وصلات أخري بالخارج، وإحترام سياسي داخل أروقة الحكومة السودانية، على الأقل لأنه فى حاجة الى كفالة أيتام سياسية بعد فقده لزعيمه قرنق، ثم فقده لرفاقه فى الحركة عقب الانفصال فكان حرياً بالوطني ومن حين لآخر (المسح على رأسه)! كان من السهل جداً – ودون أدني ضجيج – ان تنشأ شراكة سياسية هادئة وسلسة ما كان ليقف ضدها أحد، وما كان الأمر يحتاج الى وثائق مكتوبة ولا ضمانات إقليمية أو دولية. كانت المعالجات السياسية أوسع والحظوظ السياسية أوفر، لو توفر قدراً معقولاً من الذكاء لهؤلاء الثلاثة، ولكن لم يحدث ذلك، لقد أخطأوا فى الحساب وقدحوا زناد حرب لا يملكون لها مقوماتها، فكانت الكارثة أنهم وجدوا أنفسهم (مجرد ورقة) فى الجيب الجنوبي نزلت بسرعة الى المائدة، وإلتقطها المفاوضون فى غرفة (المقاصّة السياسية) . لقد تحول الأمر تحولاً جذرياً بشأن قطاع الشمال منذ ليلة السابع والعشرين من سبتمبر الماضي ولعلها كانت تلك آخر مرة تستخدم فيها الحركة الشعبية الجنوبية قطاع الشمال (كمناديل ورق)! ففي المرة الأولي إستخدمته لتقول للسودانيين عامة – عند بداية الشراكة فى العام 2005م – أنها حزب وحركة شاملة للسوان كله، ولعب لها القطاع الدور بجدارة كان هو وحده الذى صدّق الأكذوبة! وفى المرة الثانية إستخدمته فى الاستحقاق الانتخابي (ابريل 2010) لتقول انها قادرة على منازلة الوطني فى عقر داره ببني جلدته المؤتمِرين بأمرها هى، وحين حمى الوطيس وفى اللحظة الأخيرة قايضت القطاع ورمته بسرعة حين طلبت منه (بأمر زعيمها) الانسحاب من المنافسة، فإنسحب. والآن هذه هى المرة الثالثة وطبعاً الأخيرة حين اضطرت الحركة الشعبية (لبيعه نهائياً) وتسجيل العقد فى الشهر العقاري السياسي، فى أديس أبابا!!