رحبت الحكومة السودانية الاسبوع الماضي بما أعلنه القائم بالاعمال الأمريكي بالخرطوم من رغبة بلاده فى إجراء حوار وصفه بالسريع مع الحكومة السودانية. ومع أن الحكومة السودانية لها تجربة مطوّلة حافلة فى هذا الصدد مع واشنطن تجاوز عمرها العقدين من الزمان إلاّ أنها على أية حال بدت مستعدة لفتح صفحة جديدة بيضاء لهذه العلاقة على الرغم من ما ظلت تمثله واشنطن من حجر عثرة فى إمكانية قيام علاقات متوازنة بين الدولتين. وزير الخارجية السوداني على أحمد كرتي فى ذات السياق أعرب عن عزم بلاده الدخول فى محادثات جدية مع واشنطن عبر زيارة يعتزم القيام بها إلى واشنطن الشهر المقبل هدفها فتح الأبواب والنوافذ هناك لعلاقة آن الأوان لكي تسير فى مسارها الصحيح . من الناحية النظرية – حتى هذه اللحظة – فإن الأمر فى مجمله لا غبار عليه، فقد ظلت الخرطوم تتطلع الى علاقات متوازنة مع واشنطن لم تألوَ جهداً فى هذا الصدد فى القيام بجهود عديدة كان لها أثرها الايجابي الفاعل على القوة العظمي، خاصة فى مضمار مكافة الارهاب، وهى نقطة حيوية بالغة الأهمية لدي واشنطن بذلت فيها الخرطوم ما في وسعها من اجل إثبات حسن نيتها وجديتها فى الحصول على علاقات معقولة ومناسبة، حيث لا تطمح الخرطوم – لأسباب واقعية محضة – ان تحصل على كل وكامل الرضاء الامريكي، غير أن ما يثير القلق بشأن هذه العلاقات ان واشنطن وإن أدركت ان الخرطوم عنصر مهمّ للغاية فى فرضية استقرار الاوضاع فى دولة جنوب السودان حيث ترقد المصالح الامريكية الاستراتيجية، إلا أنها ما تزال حذرة فى هذا الصدد، وهو حذر ليس له من مبرر على الاطلاق. كما أن واشنطن رغم تجربتها الطويلة المريرة بشأن إمكانية تغيير النظام السوداني ذي الخلفة الثورية الاسلامية إلاّ أنها ما تزال متردِّدة بشأن كيفية التعاطي مع القادة السودانيين. وهكذا فإن الملف شائك للغاية ولكن ليس مرد ذلك لتعقيدات فى تصرفات الخرطوم بقدر ما أن التيارات التى تشارك فى صنع القرار الأمريكي هى فى حد ذاتها منقسمة ومتقاطعة الى حد كبير. لقد برزت أصوات عديدة من أكثر من مسئول أمريكي – بخلاف القائم بالأعمال بالخرطوم – تؤكد ان واشنطن لا تعتزم تغيير النظام السوداني بالقوة، ولكن بالمقابل فإن واشنطن لم تكف حتى الآن فى وضع العراقيل العديدة المنتقاة بعناية أمام مسيرة الحكومة السودانية على الاقل فيما يخص استقرار السودان وأمنه سواء عبر دعم وتشجيع حملة السلاح فى جنوب كردفان ودارفور أو حتى على مستوي العلاقات السودانية الجنوبية والقضايا الخلافية العالقة بين الدولتين. إن من الممكن وليس من الصعب ان تنفتح طاقات التفاهم بين الجانبين لتصب فى مصب المصالح المتبادلة وتسهِّل الى حد كبير انسياب العلاقات بين جوباوالخرطوم، ومن الممكن أيضاً ان تتعامل واشنطن بقدر من التوازن بين جوباوالخرطوم بما يكفي لتأمين مصالحها فى المنطقة، ولكن تظل حيرة واشنطن وتردّدها فى هذا الصدد وتطلعها فى بعض الاحيان للحصول على حكومة سودانية مختلفة هى المستحيل الذى ما برح يداعب خيالها السياسي ويرفده بكثير من التصوّرات الخاطئة مائة بالمائة!