الاسبوع الماضي كان بالغ السوء على الحكومة الجنوبية. تضافرت ظروف وعوامل شتّي درجت جوبا على تجاهلها لتجعل جوبا فى مرمي مدفعية نيويورك الثقيلة! ففي غضون اسبوع واحد - وهو أمر نادر بالنسبة لجوبا - تلقّت سيلاً من الإدانات والاتهامات كانت تكفي واحدة منها -لو كان الامر يتعلق بدولة أخري- أن تغرق فى سيلٍ عرمٍ من الاجراءات والعقوبات التى لا أولها ولا آخر. إذ أنه وقبل أن تنقضي تداعيات الخروقات التى إرتكبتها جوبا فى منطقة أبيي المتنازع عليها بين السودان وجنوب السودان بتعيين موظفين إداريين بصورة منفردة والدفع بهم الى هناك بما بات يهدِّد بإندلاع مواجهات عنيفة اضطرت الاممالمتحدة على إثره لإدانة المسلك الجنوبي وعدّته خرقاً للقرار 2046 وللإتفاق الثنائي الموقع فى يوليو 2011 بشأن إدارة أبيي، فإن جوبا تلقت أيضاً بعد ايام قلائل إتهامات واسعة النطاق من الاممالمتحدة بأنها ترتكب مجازر وعمليات إغتصاب منهجية فى منطقة (بيبور) بولاية جونقلي. وأوردت البعثة الأُممية هناك الى أنه ما بين 15 يوليو الى 20 أغسطس وقعت جرائم تعذيب وإغتصاب وأعمال قتل وخطف واسعة النطاق فى جونقلي. وإتهمت المنظمة الدولية بصورة واضحة ومباشرة الجيش الشعبي بإرتكاب هذه الفظائع وما وصفتها بالانتهاكات الخطيرة لحقوق الانسان؛ وأوردت الاممالمتحدة إحصائية أشارت الى سقوط نحو 600 ضحية فى تلك الفترة المذكورة، وإرتفع العدد مؤخراً الى 900. هذا التطور فيما يخص العلاقة بين نيويوركوجوبا يبدو مهمّاً للغاية، فعِوضاً على أن مثل هذه الإدنات – بهذا القدر من القوة والوضوح – ظلت بإستمرار خافتة الصوت ونادرة الحدوث، فإن المجتمع الدولي فيما يبدو ظل ولسنوات يغض الطرف عما يجري فى دولة جنوب السودان ويتحاشي التعرُّض للخروقات التى ترتكبها الحكومة الجنوبية على خلفية وجود قوي عظمي قريبة من جوبا، تعرقل أىّ اتهامات أو إدانات ضد جوبا. ولهذا فان من الصعب قراءة هذا التطور بمعزل عن رؤية جديدة حتى ولو كانت تكتيكيّة أو عابرة من جانب القوى الكبري التى تقف مساندة لجوبا فى الاممالمتحدة. إذ يبدو أن واشنطن بدأت تشعر أن جوبا ليست مدركة بالدرجة الكافية لطبيعة اللعبة دولياً إذ ليس فى كل مرة وعلى كل حال وبإستمرار تحظي جوبا بمساندة واشنطن. هناك مساحات مفتوحة لا بد من وضعها فى الاعتبار، وهناك حالات لا بد فيها من (قرصة أذن)! من جانب ثاني، فإن واشنطن بدأت تشعر أيضاً أن جوبا تود التحلل من كل شيء، وأن يُسمح لها بفعل أى شيء فى أىّ وقت دون أن تلتزم بشيء، وهو أمر عانت بشأنه واشنطن مع حليفتها إسرائيل وما تزال تعاني بما بات يسبِّب لها حرجاً بالغاً، وفيما يبدو تحرص واشنطن - رغم الفارق الشاسع بين الاثنين، جوبا وتل أبيب - على إشعار جوبا بأنها ليست مدللة الى هذه الدرجة. من جانب ثالث فإن ما يجري فى دولة جنوب السودان بالفعل يثير قلق المجتمع الدولي، فهو مشروع دولة فاشلة يتهدد ما يجري فيها من فساد مالي ونزاع قبلي ومشاكل إقتصادية وخلاف مع السودان أمن المنطقة واستقرارها ؛ الأمر الذي سوف يكلِّف المجتمع الدولي عاجلاً أم آجلاً الكثير، ولهذا كان من الضروري وضع مكابح ولو صغيرة خفيفة الوزن كمرحلة أولي تثير إنتباه القادة الجنوبيين. وأخيراً فإن واشنطن ربما كانت راغبة فى ممارسة ضغط من نوع ما على جوبا لأهداف خاصة بها؛ تماماً فعلت فى قضية تصدير النفط الجنوبي وحين أضطرت لإيفاد وزيرة الخارجية بنفسها الى جوبا والإمساك بالملف هناك بصفة مباشرة. وعلى ذلك فإن أهمّ مغزي لهذه المواجهة الأممية الجنوبية هو إنتهاء عهد الطفولة الجنوبية حين لم يكن يجرؤ أحد على إنتهار الطفلة المدللة أو قرص أذنها أو تعنيفها!