مع وصول رئيس الآلية الافريقية الرفيعة الى الخرطوم بغرض التحضير للمفاوضات المقبلة، فإن التساؤل يبرز بقوة حول المرجعية التى يستند عليها أمبيكي – مع كونه مجرد وسيط مشترك – فى الإصرار على الخارطة التى دفع بها فى وقت سابق لتصبح مرجعيته لترسيم الحدود بين الدولتين. أمبيكي حتى هذه اللحظة لم يميط اللثام حول المرجع الذى إستقي منه خارطته التى زادت من تعقيد النزاع الحدودي بين جوباوالخرطوم، خاصة حين برز مقترح إقامة المنطقة العازلة، وكلنا يعلم كيف ان واشنطن - لأسباب معروفة - تمسكت بالخارطة لإنشاء المنطقة العازلة لدرجة أنها رهنت كل شيء بما فى ذلك مستقبل اتفاق النفط بالقبول بإنشاء المنطقة العازلة على أساس هذه الخارطة! واستفسرت (سودان سفاري) أكثر من مصدر سياسي مطلع عن الكيفية التى على أساسها وضع أمبيكي خارطته، وقالوا جميعاً إنهم لا يعرفون كيف فعل! ويشير مصدر دبلوماسي بالعاصمة الاثيوبية أديس أبابا الى ان الغريب فى موقف أمبيكي أنه لم يقل حتى الآن أنه بني موقفه إستناداً الى تفاوض جري بين جوباوالخرطوم وافقت بموجبه الخرطوم على الخارطة! إذ أنَّ المعروف ان هناك لجنة سودانية جنوبية مشتركة خاصة بترسيم الحدود ظلت تعمل منذ العام 2006 عقب إمضاء اتفاقية نيفاشا، وعقدت عشرات الاجتماعات وإتفقت على بعض النقاط الحدودية وإختلفت فى أخري، حيث أشار رئيس الجانب السوداني فى اللجنة (عبد الله الصادق) الى أن ما ورد فى خارطة أمبيكي لم يتم الاتفاق حوله؛ كما أن رئيس الوفد السوداني المفاوض فى أديس أبابا نفي توصلهم لاتفاق على ما ورد فى الخارطة. إذن كيف وضع أمبيكي خارطته وهو يعلم ان الخرطوم لم توافق عليها؟ هل كان الرجل مدفوعاً بفرضية الأمر الواقع مثلاً جراء إحتلال دولة جنوب السودان للمنطقة؟ اذا كان هذا هو الافتراض فقد كان من المحتم أن يضم أيضاً منطقة هجليج عقب إحتلال الحكومة الجنوبية لها فى يوليو الماضي؛ فهل كان الرجل يتعامل مع خريطة دولة جنوب السودان التى أعدّتها مؤخراً وأدخلت فيها مناطق لم تكن موضوع نزاع؟ بالطبع ليس من حق الرجل – وهو كما قلنا مجرد وسيط – الإنحياز لطرف بهذه الدرجة السافرة المفضوحة، فهي تعني نهاية وساطته أو على الأقل فقدانه للحياد والثقة التى يفرضها دوره. إن من المستحيل أن تقبل الحكومة السودانية بالخارطة الجنوبية ثم تعود لترفضها ولهذا فإن من المؤكد ان أمبيكي إستند على مرجعية ما، مُطالَب هو وحده بالكشف عنها لأنّ موقفه هذا كما هو واضح زاد من تعقيد الموقف، خاصة وأن الحكومة السودانية قالت انها عازمة علي إسترداد المنطقة التى أقحمت وهي منطقة سماحة والميل 14 ، ولعل أمبيكي الذى لم يغيِّّر موقفه بعد – أو ربما غيره بعد فوات الأوان – سيجد نفسه فى موقف أعقد بكثير إذا ما إستردّت الحكومة السودانية المنطقة بحيث لم تعد موجودة فعلياً على الخارطة الجنوبية على الطبيعة. حينها لا يدري أحد، هل يعود أمبيكي لوضع المنطقة على الخارطة السودانية فيفقد قبول الطرف الجنوبي ويصبح الأمر شبيهاً بالمسلسل الطويل الحلقات، أم أنه يقنع بفرضية الأمر الواقع ويقرّ بأيلولة المنطقة للسودان؟