طلب المبعوث الامريكي الخاص الى السودان (برنستون ليمان) من الحكومة السودانية – الاربعاء الماضي – بأن تستعد لسحب قواتها من الحدود المشتركة مع دولة جنوب السودان تهميداً لإقامة ما قال إنها منطقة عازلة منزوعة السلاح بين الجانبين. وإشترط لميان وفق بيان أوردته عنه الخارجية الامريكية ان تقبل الحكومة السودانية مقدماً بهذه الخطة قبل المضي قدماً فى عملية نزع السلاح من المنطقة. كما إشترط فى ذات البيان ان تستند خطة إقامة المنطقة العازلة على الخريطة التى كان قد أعدّها الاتحاد الافريقي لترسيم الحدود بين الدولتين. على ذات الصعيد قال مسئولين أمريكيون ان قبول الخرطوم للخطة من الممكن ان يساعد على تطبيق إتفاق صادرات النفط المُتوصَل اليه مؤخراً. الحكومة السودانية لم تعلق رسمياً فى وقت متزامن على المقترح الامريكي قبولاً أو رفضاً، وإن كان يُستشف ضمناً أنها من الصعب ان تقبل المقترح الامريكي نظراً لرفضها المعروف للخارطة التى سبق وأن قدمها الاتحاد الافريقي؛ أما الحكومة الجنوبية التى سبق وأن وافقت على الخارطة الافريقية فمن المحتمل ان تقبل الخطة الامريكية خاصة اذا علمنا ان من النادر للغاية ان تقدم واشنطن مقترحاً فيما يخص النزاع السوداني الجنوبي دون ان يكون قد جري عليه التفاهم مسبقاً بين واشنطنوجوبا. وعلى ذلك يمكن القول ان واشنطن ومع إنطلاق المفاوضات فى أديس أبابا – الأحد – حدّدت مسبقاً مسار التفاوض وإحداثياته والمدي الذي ينبغي أن يصل اليه، ومن المحتمل ان واشنطن التى ضغطت على جوبا بشدة لحل ملف النفط المعقد تود مقايضة الملف النفطي وما تم التوصل اليه بالملف الأمني والحدودي بما يرضي جوبا ولو نظرياً دون الالتفات الى ما قد يرضي الخرطوم أو يضيرها. ويعد هذا الأسلوب واحداً من أكثر الأساليب الأمريكية شيوعاً فى عمليات التفاوض إستناداً الى نظرية تقسيم البنود لأقسام صغيرة، وربط هذه بتلك بطريقة لا تخلو من خبث ومكر تفضي فى النهاية الى تجريد الطرف الآخر من كافة الميزات التى حصل عليها من خلال عملية التفاوض. فعلت ذلك فى كامب ديفيد1977 وفى أوسلو 1995 دون أن يطرف لها جفن. والواقع أن واشنطن لا تجهل أن هذا العرض لن يكون مقبولاً لدي الخرطوم فهي تعلم ان الخرطوم من حيث المبدأ لا ترفض مبدأ إقامة المنطقة العازلة لأنها -ولو نظرياً- تحقق قدراً من الأمن على الحدود وهو أكثر ما تضرّرت منه طوال الفترة السابقة وما تزال . ولكن ما يضير الخرطوم فى الواقع هو ان الخارطة التى أقرّها الاتحاد الافريقي لترسيم الحدود بين الدولتين مرفوضة لدي الخرطوم لأنها تضم مناطقاً تعتقد الخرطوم أنها سودانية ووضعتها الخارطة الافريقية ضمن الحدود الجنوبية مثل منطقة الميل 14؛ وهو وضع تري الخرطوم انه موضع تفاوض فيما يخص ملف الحدود وليس أمراً محسوماً مسلّماً به كما يري الاتحاد الافريقي، وبالتالي فإن قبول الخرطوم بالمقترح الأمريكي معناه ببساطة ان السودان يخرج الملف الحدودي من نقاط النزاع المطروحة ويكون الجانب الجنوبي قد ربح هذا الملف دون تفاوض ودون اية جهود تذكر. والأمر هنا - وفق الأسلوب الامريكي - شبيه بعملية مقايضة بدأت وانتهت ودارت حساباتها فقط فى الذهن الامريكي وحده. الأمر الآخر المثير للقلق فى المقترح الامريكي ان المسئولين الامريكيين يقولون ان قبول الخرطوم بالخطة المقترحة يسهِّل عملية إنفاذ إتفاق صادرات النفط المتوَصل اليه مؤخراً. وكأنّي بواشنطن ترهن كل شيء فى عملية التفاوض بما فى ذلك إتفاق النفط بقبول الخرطوم بهذه الخطة وهو ما يعد تهديداً جدياً لمسيرة التفاوض بما قد يقود الى إنهيارها! وعلى كلٍ فإن الامر يبدو معقداً بدرجة كبيرة ولكنه ما يزال يمنح الخرطوم فرصة أكبر اذا ما إستمرت فى صمودها حيال ملف النفط وتركت جوبا تصرخ جراء ذلك.