بصرف النظر عن الإمكانات والمعطيات التى توفرت لإنجاح قمة الرئيسين البشير وكير فى العاصمة الاثيوبية أديس أبابا لتجاوز الخلاف المستحكم بين الدولتين والذى إنعقدت له عشرات الجولات التفاوضية لأشهر خلت عبر لجان مشتركة وبوساطة الآلية الافريقية وبعض القوى الدولية فإن إنعقاد القمة نفسها- كقيمة سياسية ايجابية - يعتبر أمراً جيداً ومهمّاً. فقد تباعدت مواقف الدولتين فى الأشهر المنصرمة وبدا وكأنّهما لم يكونا من قبل (من طينة سياسية واحدة) ومن (رحم واحد) . القمة سيكون لها أثرها الفاعل فى تغذية شعور التعاون بين الجانبين وترسيخ مبادئ حسن الجوار، وإستحالة ان يعيش كل بلد بعيداً عن الآخر. غير أن من المهم هنا أن نلاحظ عدد من الأمور ونحن فى خضم النظر الى القمة وقوفاً على السفح . الأمر الاول أن أىّ اختراق مرتقب لن يكون بحال من الأحوال أعلي سقفاً من ما جري طحنه طحناً فى عمليات التفاوض الشاقة التى ظلت تجري لما يجاوز العام فى العاصمة الاثيوبية أديس. تلك هى طبيعة الاشياء دائماً فى العلاقات الدولية، حيث لا يمكن لأعلي هرم فى الدولة أن يقرّ بنداً من البنود لم يكن قد جري التفاوض حوله من قبل وبانت فيه المواقف وإتضح لكل جانب المدي الذى بإمكانه ان يقف فيه، أو يتراجع قليلاً أو يمضي قليلاً؛ ولهذا فإن من المبالغة الغير راشدة سياسياً توقع إختراقات منبتّه الصلة بما تم تداوله على مائدة التفاوض، وفى ذلك تحميل للأمور فوق ما تطيق. الأمر الثاني ان المواقف التى يتخذها الرئيسين بعد النقاش بينهما فى القضايا الخلافية المطروحة ينبغي النظر اليها من زاوية أنها (أقصي ما يمكن ) و (آخر ما هو متاح). ففي النظام السياسي الرئاسي، السلطات التنفيذية تتجمّع لدي الرئيس بنص الدستور، فهو يتولي الجهاز التنفيذي وهو المسئول الأول عن إدارة الشأن العام للدولة؛ فإذا توصل الى رؤية معينة أو وقف موقفاًُ معيناً – بعد كل الجهود التى تم بذلها فى عملية التفاوض – فهو لا شك الموقف المتاح أمامه، ويتفرّع عن هذا الأمر، أن الميزايدات السياسية (غير الملتزمة بعناصر الواقع) لن تكون سوي نقد غير بناء ربما يصب بالضرورة لصالح الطرف الآخر حيث يوحي له أنه هو الرابح . الأمر الثالث ان ما يتوصل اليه الرئيسين لن يكون شيئاً يمكن أن يُناقش بمعيار النصر والهزيمة، فالقضايا المختلف حولها هى قضايا استراتيجية تهم الدولتين، ولو لم تكن تهمّهما معاً لما كانت لها كل تلك الأهمية، ولما تأثر البلدان بوطأة الخلاف وتعقيداته. ومن ثم فإن المحصلة النهائية لما تخرج به القمة هى معادلة لا تُقرأ فقط من جانب واحد. هناك إمتحان المستقبل وإمتحان عبور الخلافات التى قد تنشب أثناء تطبيق الاتفاقات، وهناك أيضاً مصالح الشعبين وهى نقطة محورية مهمة للغاية، حيث يسعي كل جانب لصيانة مصالح شعبه بما يفضي فى النهاية الى مصلحة مشتركة، والمصالح المشتركة ليس فيها غالب أو مغلوب. على العموم، القمة يُرجى منها الكثير، ولكن بدون رفع سقف التوقعات للمدي الذى يجعل منها معجزة سياسية.