ضمن خطاب مطول بلغت عدد صفحاته 16 صفحة ألقي مني أركو مناوي فى الأول من أغسطس الماضي خطاب الإحتفال بالعيد رقم 11 لإنشاء حركته. الخطاب رغم إشتماله على الصيغ والعبارات المكرورة والتى ظل يكررها ميناوي مراراً فى خطاباته السابقة فى ذات المناسبة من شاكلة الحديث عن التهميش وتوجيه أقذع العبارات السياسية وغير السياسية للحكومة السودانية، إلاّ أنه إنفرد هذه المرة ببعض (الحشو) الأقل حِدة والأدعي للتمعُّن. ومن الضروري هنا وقبيل الخوض فى بعض سطور الخطاب أن نشير الى ان مناوي فى الواقع لم تمرّ عليه وعلي حركته ظروفاً سياسياً وتنظيمية بالغة السوء كالتى يعيشها حالياً، فهو (غير مستقر) لوجستياً وفاقد للمأوي والمقر الى حد كبير إلاّ ما تسمح به كمبالا وجوبا بشروط بدت شاقة وصعبة عليه، كما أن مقاتليه فى الميدان فى حالة إنكماش وتراجُع جرّاء نقص الغذاء والمال والعتاد بإستمرار؛ والأدهي وأمرّ مخاوفه الشديدة من إقتراب تلاشي قطاع الشمال عقب ارهاصات فك الارتباط بين الحكومة الجنوبية والقطاع وما قد يؤدي اليه ذلك من إضعاف مركّب لما يسمي بالجبهة الثورية القشة التى يتعلق بها مناوي حالياً بدون أن يتطلع لأيّ خيار آخر. الخطاب احتوي بتركيز واضح على اشادة بمن أسماهم شهداء الحركة والذين وصفهم بأنهم (أكرم منهم)! وهى اشارة مهمّة مع كونها قد تبدو عادية ولكن أهميتها هذه المرّة انها بدت مشابهة للصيغة التى أراد لها مناوي ان تجتذب أناساً بعينهم، أغلب الظن أنه يقصد بعض قادة حركة العدل والمساوة ذوي الخلفية الاسلامية الحركية. وللتأكيد على هذه النقطة فإن مناوي حرص على إيراد قادة حركته المؤسسين وأورد من بينهم بخيت عبد الكريم عبد الله الشهير ب(دبجو) وكأنّي بمناوي يغازل الرجل الذى أقيل من قيادة العدل والمساواة، ثم أعيد لها عقب الانقلاب الذى حدث مؤخراً. هنالك إشارة الى (مغازلة سياسية) سواء أثمرت أم لم تثمر فهي على أيّة حال مقصد الخطاب وليس من الصعب إدراك ما وراء هذه المغازلة، فحركة مناوي جزء منها كان قد التحق بحركة العدل والمساواة فى سنوات سابقة خاصة عقب دخوله فى اتفاق ابوجا 2006م وهو يتوق الى إستعادة من كان قد ذهب، أو إستقطاب قادة جدد، ولهذا غيّرَ قليلاً من عبارات الخطاب بما يكفي لتحقيق هذا المطلب السياسي الدفين، خاصة وأنّ الحركتين – العدل والمساواة وحركة مناوي – يجمع بينهما قاسم مشترك أعظم يتمثل فى إنتماء قادتها الى إثنية الزغاوة. غير أن هذه الاشارة لم تمنع مناوي من الاشارة الى علمانية الحركة وفق إعلانها السياسي فى اكتوبر 2003 وهو تناقض يمكن فهمه فى إطار الهواجس التى يعيشها والقلق الممسك بخناق تحركاته. الخطاب أيضاً أفرد جانباً لقضايا الحكم لخّصها فى الحكم الفيدرالي واللامركزي والاقتصاد الذى يهتم بالشرائح الضعيفة وهى جميعها اشارت تلامس أطروحات قائمة الوطني ولا تبعد كثيراً عن رؤاه، بما يشير أيضاً الى أن الرجل (يفتح كوّة) ولو صغيرة للغاية لكي (يعود) منها اذا ما إدلهمّت الظروف وضاقت به أرض التمرد بما رحبت! وهو منهج واقعي وبرغماتي رغم أن الرجل تعوزه الخبرة والكياسة ولم تُعرف له فطنة سياسية واضحة. الخطاب لم يسهب كثيراً فى الاشارة الى العمل المسلح وإن تناول الجبهة الثورية وكونها رأس الرمح فى العملية، فعلي ما يبدو أن الجبهة الثورية لم تعد تمثل لمناوي (كل شيء) بقدر ما هى الآن محطة الأمر الواقع. وهكذا، فإن مجمل الخطاب يشير الى الشيء ونقيضه ولكن بدرجة أكبر الميل نحو أفق سياسي أرحب سوف يتأكد أكثر فى الايام القليلة المقبلة!