لا يبدو أن هنالك أساساً للمخاوف التى تنتاب البعض حيال مآلات حل الأزمة فى أبيي للدرجة التى وصل فيها البعض الى ما يشبه الاعتقاد أن الازمة سوف تحل لصالح دولة جنوب السودان لا محالة! هناك آخرين يعتقدون أيضاً – وبالطبع دون أيّ سند موضوعي – أن الحكومة السودانية تورطت مسبقاً فى مفاوضاتها مع دولة جنوب السودان بحيث جرى التلويح لها ببعض المكاسب فى حين حِيكت خطة جهنّمية لإنتزاع أبيي منها. أغلب الذين يساورهم الاعتقاد ان الحل ماضٍ بإتجاه أيلولة المنطقة الى دولة الجنوب يستندون فى ذلك الى المقترح الذي طرحه الوسيط وتبنّاه مجلس السلم الافريقي، ومن المنتظر أن يتبناه بصفة نهائية مجلس الأمن ويشير هؤلاء، كلٌ بطريقته، الى ان قبائل المسيرية المستوطنة فى المنطقة جنباً الى جنب مع دينكا نقوك لن يكون لها - وفق المقترح المطروح - حق الاستفتاء وإن الاستفتاء سيكون قاصراً فقط على دينكا نقوك! ولعل هنا فقط فى هذه الجزئية تتجلّى عدم منطقية الطرح وإستحالة خروجه على هذا الشكل فى قرار أممي مهما كانت القوى الدولية التى تقف خلف القرار غليظة، وظالمة ومتحاملة على السودان. فلو كان صحيحاً ومن الممكن حصر حق الاستفتاء على دينكا نقوك، فما كانت منذ البداية جدوى عملية الاستفتاء نفسها؟ ما الذى جعل المتفاوضين فى نيفاشا وهم أذكى بكثير من الذين يزعمون هذا الزعم – يحيلون القضية الى استفتاء اذا كان هذا الاستفتاء مجرد عملية تحصيل حاصل؟ إن خطأ التعاطي مع قضية أبيي إتخذ عدة اشكال منذ بداية الأزمة. فمن جهة أولى ساد إعتقاد خاطئ ان أبيي غير تابعة لأيّ جهة، لا السودان ولا جنوب السودان، ومن ثم لا بُد من إجراء استفتاء فيها لتحديد تبعيتها فى الوقت الذى فيه أبيي تتبع رسمياً الى السودان -كمرجعية سياسية وجغرافية وتاريخية- ولهذا فإن أجراء أيّ استفتاء بشأنها -مهما كانت قواعده وشروطه- لابُد أن يجري لكل من يقيم فيها بصرف النظر عن إنتمائهم العرقي. وهذه النقطة يسقطها الكثيرون من حساباتهم، جرياً على المنطق الجنوبي والذى نجحت جوبا – بإمتياز – فى تسويقه إعلامياً ودولياً ؛ ذلك على الرغم من أن جوبا نفسها لا تملك أيّ ضمان من أي نوع مهما بدت متطرفة ومكابرة أن دينكا نقوك أنفسهم سوف يصوتون لصالح إنضمامهم جنوباً. وهذه النقطة مهمّة وجوهرية لا نملّ من ترديدها وفقاً لما رصدناه من حقائق على الأرض قضينا زمناً مطولاً فى الغوص فى لُججها. ومن المهم جداً هنا أن نشير أيضاً الى نقطة خطيرة وبالغة الحساسية وهى أن صراع النزاع فى أبيي يمثل بالنسبة للجانب الجنوبي تحدياً كبيراً لمجرد أنه بمثابة الحصول على أرض سودانية، فهو صراع مكاسب وإظهار قوة وعضلات يمثل لمن يقفون خلفه أمراً مصيرياً. ومن جهة ثانية يسود إعتقاد ايضاً خاطئ مائة بالمائة أن مجلس الأمن فى خاتمة المطاف سيضع حداً للنزاع بقرار منه! القرار الأممي المفترض – بحسب إعتقاد البعض – سيقرر قصر حق الاستفتاء على الدينكا. ووجه الخطأ هنا، ان مجلس الأمن ومهما كانت الصلاحيات التى قد يقررها لنفسه لا يملك صلاحية فرض رؤية قانونية معينة أو تفسير نص خاص بإتفاقية على طرفين تحكمهما القاعدة الشهيرة فى القانون التى تقول ان العقد شريعة المتعاقدين . ربما لجأ الأطراف الى جهة تحكيمية ذات صلاحية قضائية دولية لتفسير النص الوارد فى صلب إتفاقية نيفاشا وبروتوكول أبيي ؛ أو ربما لجأ الاطراف الى قاعد معينة لمعالجة عملية الاستفتاء وفق معادلة يتراضيان عليها، ولكن من المستحيل تماماً – من الناحيتين القانونية والسياسية – أن يفرض مجلس الأمن تفسيراً أو رؤية ما على الأطراف، ذلك أن مجلس الامن الدولي ورغم كل ما كفله له ميثاق الأممالمتحدة وما منحه من صلاحيات واسعة لضمان الأمن والسلم الدوليين إلا أنه لم يمنحه قط صلاحية فرض الحلول فى النزاعات الخاصة بالحدود بهذه الطريقة!