بحسب أنباء رشحت الخميس الماضي من العاصمة الجنوبيةجوبا، فإن رئيس الجانب السوداني وزير الدفاع عبد الرحيم محمد حسين قدّم مقترحاً فى إجتماعات اللجنة السياسية الأمنية بتضمين ولايتيّ النيل الأزرق وجنوب كردفان ضمن المناطق المنزوعة السلاح، غير أنّ الجانب الجنوبي سارع برفض المقترح معلِّلاً رفضه – وفق تصريحات وزير داخلية دولة الجنوب (سلفا مطوك) – بأن إتفاق التعاون المشترك لم يورد المنطقتين ضمن المناطق المراد نزع السلاح فيها. وأشارت ذات الانباء الى تعثُّر إجتماعات اللجنة السياسية لهذا السبب مع معادوة الجانبين لمواصلة الاجتماعات مرة أخري. وبالطبع سواء تم تجاوز هذه الخلافات أو تذليل الصعاب من عدمه، فإن المقترح الذى طرحه الوزير السوداني هو دون شك لم يكن ضمن بنود الاتفاق صراحةً، ونصّاً، ولكن فى ذات الوقت فإن الترتيبات الأمنية المنصوص عليها فى الاتفاق والتى تتضمن عمليات فك إرتباط بين الحكومة الجنوبية وقطاع الشمال وتتضمن نزع سلاح وإعادة إنتشار تقتضي بالضرورة – حتى ولو لم يرد ذلك صراحة – معالجة أوضاع القوات التى ما تزال على إرتباط وثيق بالجيش الشعبي الجنوبي وتنتشر فى أنحاء من المنطقتين. المقترح السوداني وإن نظر اليه الجانب الجنوبي نظرة حرفية تتعلق بعدم النص عليه، إلا أنه يبدو وسيلة أكثر شمولاً وإتساعاً لضمان هدوء وإستقرار المنطقتين على المدَيَين القريب والبعيد؛ بل على العكس يمكن القول إن من شأن هذا المقترح أن يوفر جهداً ووقتاً تتطلبه عمليات فك الإرتباط وتفصيلها وإجراءاتها العملية ذات الطابع المُضنِي. لقد كان مجدياً، أن يكون المقترح المستحدث أساساً لإنفاذ هذا الجانب المهم من الاتفاقية، وهو فى جوهره – إن كان ضاراً بطرف – فمن المحتم أنه ليس الطرف الجنوبيّ، لأنّ الطرف الجنوبي غير متأثر بالعمليات والهجمات التى كانت تجري على حدود هاتين المنطقتين. على العكس تماماً، المتأثر المباشر بهذه العمليات هو الجانب السوداني، حيث يستغل حملة السلاح طول ووعورة الحدود فى المنطقة فى شنّ هجمات ثم الهروب جنوباً والتوغل داخل أراضي دولة جنوب السودان. ومن البديهيّ هنا أنه ليست هناك فصائل مسلحة تعمل فى تلك المنطقة وتنشط ضد الحكومة الجنوبية، وليس من المهم ولا من الضروريّ أن يتم تنفيذ ما هو منصوص عليه حرفياً فى الإتفاق، فالاتفاق ما هو إلاّ إطار عام ونصوص محددة متروك التعامل معها تفصيلاً لمن يتولّون مهمّة ترجمتها وتنفيذها على الارض. كما أن روح الاتفاق ومضامينه غير المكتوبة هى الأهم عند بدء تنفيذه على الارض، لأنّ خلاصة المقاصد الكلية للإتفاق فى مجمله هو ضمان استقرار وهدوء الحدود بين الدولتين وحظر أيّ نشاط معادي من أيّ جهة مسلحة ضد الطرف الآخر. وقد كان من الممكن أن تمتد عملية بسط الهدوء هذه بصورة أشمل لتضم المنطقتين، ومن ثم يصبح ما يسمى بقطاع الشمال من الناحية العملية دون كثير عناء قد تلاشى ولم يعد يستطيع القيام بأنشطة عسكرية. إن أحداً حتى الآن لا يشك فى نوايا الطرفين، لأنهما وبروح واحدة إتفقا على أهم عناصر توفير الأمن والاستقرار رغبة منهما فى توطين هذا الاستقرار وترسيخه، وبالطبع ليس لأيّ هدف آخر، غير أن إصرار الجانب الجنوبي - بدون مسوغات مقنعة - على عدم المساس بالترتيبات الخاصة بمعالجة أوضاع قطاع الشمال يشير الى قصور فى فهم طبيعة الوضع، والهدف الأساس الذى من أجله تم إبرام الاتفاق. وعلى كلٍ، فإن الكيفية التى على أساسها يتم تنفيذ الاتفاق ووضعه فى القالب الاستراتيجيّ المرجو، ستظل هى مربط الفرس فى ما يمكن أن تفضي اليه الأمور فى قابل الأيام بين الدولتين اللتين ينتظرهما الكثير، والكثير جداً لتجاوز كافة أشكال خلافاتهما المزمنة.