لم تكن الشائعة التى إنطلقت فى الأيام القليلة الماضية حول مرض الرئيس السوداني وإعتلال صحته إعتلالاً خطيراً هى الأزمة وحدها التى عكست إنحسار الروح السودانية السمحة وسط بعض القوى المعارضة فى السودان وإستخدامها لشتي نوع الاسلحة حتى ما كان منها مصادماً للمروءة السودانية؛ وإنما كانت الازمة على صعيد محاولة بعض هذه القوى المعارضة الاصطياد فى بركة الاوضاع عموماً فى السودان، حيث تزامنت شائعة مرض الرئيس مع العدوان الاسرائيلي السافر على مصنع اليرموك للاسلحة جنوبيّ الخرطوم. المؤسف حقاً فى الأمر ان قوى المعارضة السودانية سرعان ما بنت حساباتها المعتلّة على فرضية غياب البشير عن المشهد السياسي ومن ثم إمكانية إنهيارالسلطة القائمة وإفساح المجال لها لكي تعتلي سدتها بسهولة. كان الأمر تجسيداً مثيراً للشفقة لأحلام العاجزين الذين يجلسون فى أماكنهم وقد خارت قواهم وتجمّد فكرهم وحار بهم الدليل، ولا يجدون حرجاً فى الجلوس على الشاطئ فى إنتظار ما ستحمله لهم أمواج البحر! لقد بعثت الشائعة التى أطلقتها ذات قوى المعارضة ثم صدقتها روحاً فى جسدها العليل وظنت أن ساعة المرح قد حانت، وأن الحكومة السودانية -بإعتلال رئيسها- منهارة لا محالة وساقطة من عليائها. رأينا كيف عاودت قوى المعارضة حديثها عن الاسقاط الذى تحدثت عنه كثيراً جداً من قبل ولكن بلا جدوى. رأينا (أموات سياسيين) بعثتهم الشائعة فخرجوا من توابيتهم يبحثون عن رزق سياسي ساقه اليهم القدر على غير إنتظار، فالسيد الصادق المهدي زعيم حزب الامة القومي سرعان ما نسي وتناسي أوجاع حزبه وتشظيه وقعوده، وخرج داعياً رفاقه فى المعارضة لإسقاط النظام. قادة الشعبي وفى مقدمتهم كمال عمر المسئول السياسي عن الحزب تهيأوا لمرحلة جديدة لبسوا لها لبوسها وإنتظروا. أحزاب البعث والشيوعي واليسار عموماً واتتهم مشاعر (البعث) من بعد طول رقاد. بدت ساحة المعارضة السياسية كلها رغم وهنها وضعفها وكأنّها خاضت حرباً ضروساً وخرجت منها منتصرة وظافرة. ولم يكن قد تبقي لبعض قادة المعارضة إلا أن يقولوا أنهم هم كانوا وراء مرض الرئيس الذى لا شفاء منه! هذ المشهد المحزن يجري فى سودان الألفية الثالثة حيث اختلط كل شيء وإتخذت الخصومة السياسية منحى مستحدثاً لا فرق فيه ما بين تقديرات العمل السياسي وحساباته الواقعية، وما بين الأمنيات الشخصية الخاصة التى تمحورت حول الحاجة الى (مرض) يهزم الحكومة السودانية ويزيحها عن الطريق. نسي البعض ان الحكومة السودانية وحين دهم المرض سكرتير الحزب الشيوعي الراحل محمد ابراهيم نقد عرضت التكفُّل الكامل بعلاجه فى أي مكان يراه ولم تكن تمنّ حينها على أحد، ولا كانت تستهزئ برفاق الزعيم الراحل، الذين جمع بعضهم أموالاً من الخارج بغرض العلاج، ولكنها كانت بغرض آخر مختلف تماماً! نسي البعض ايضاً ان الرئيس البشير ظل يطوف على كل القادة المعارضين الذين أقعدهم المرض فى مسلك إجتماعي سوداني نبيل، كانت أهم أهدافه المحافظة على آصرة الود والإخاء بعيداً جداً عن ميادين السياسة المليئة بالالغام والقنابل السياسية المتفجرة! كما أن اعظم ما تناساه البعض الذين إستهوتهم الشائعة بسخافتها، أن البشير -حتى ولو غاب عن المشهد السياسي- فإن ذلك لا يعني غياب القاعدة التى يستند عليها، ولا يعني أيضاً إكتساب قوى المعارضة لقوة جديدة بدلاً عن ضعفها وهوانها الماثل. إن العدوان على الصحة السياسية السودانية بإطلاق الشائعات المخجلة وتخويف المواطنين، ومحاولة إشاعة نوع من الاضطراب السياسي العام هو لا يختلف فى جوهره عن العدوان الاسرائيلي السافر الذى وقع على مصنع اليرموك فى العاصمة السودانية الخرطوم، ففي الحالتين هناك إنتهازية صارخة، وإنتهاك لحرية البلاد، ومحاولة إدخالها فى صراع سياسي وفوضى لم تعرفها طوال تاريخها. لقد إستطاع الرئيس البشير - شخصياً - قيادة حملة رد هذا العدوان الاعلامي الصارخ، حين وقف بعد ساعات فقط لم تتجاوز ال72 ساعة ليخاطب الجالية السودانية بالعاصمة السعودية الرياض ليكون ذلكم الخطاب – فى حد ذاته – الدليل الأكبر على أن الرجل فى تمام الصحة والعافية مكذباً تلك الشائعات المغرضة، وكان الأمر المؤسف والمثير حقاً للإستغراب أن مطلقي الشائعات واتتهم خيبة أمل كبيرة ، فقد أُسقط فى أيديهم، ولم يجدوا جواباً لما أشاعوه وكادوا أن يصدِّقوه أو صدقوه فعلاً، وكانت قمة الخيبة فى أنهم لم يجدوا وسيلة أخرى لتبرير الشائعة، أو لتجاوزها، أو حتى لكيفية التعاطي مع الواقع المكذب لها، فبدوا فاغري الفاه. إن من مصلحة القوى المعارضة فى السودان ان تركز على التعاطي الواقعي مع المعطيات السياسية الماثلة فى السودان، فالرئيس البشير رئيس منتخب من قبل شعبه، وهو فوق كل ذلك أحد أهم وأبرز ركائز البناء السياسي فى السودان بإعتباره رئيساً متفقاً عليه حتى داخل أروقة قوى المعارضة التى قالت – أكثر من مرة – أنها لا تمانع من أن يقود هو شخصياً حكومة إنتقالية!