قالت القوات الاثيوبية المكلفة بحفظ السلام فى منطقة أبيي المتنازع عليها بين دولتيّ السودان وجنوب السودان أنها اضطرت لاستخدام القوة بموجب الفصل السابع من ميثاق الأممالمتحدة لوقف اعتداءات دينكا نقوك على قبائل المسيرية التى جرت الاسبوع قبل الماضي، وهى إعتداءات كان من الواضح من خلال متابعاتنا أنها تحريضات من بعض قادة الحركة الشعبية الحاكمة فى دولة جنوب السودان من أبناء المنطقة. وبالطبع لا حاجة لنا لاستنتاج الهدف من هذه التحريضات وهى إثارة مواجهة وإشعال حرب تحيل ملف النزاع المعقد -وهو ساخن- الى المنضدة الدولية حتى يأتي قرار مجلس الامن المرتقب، وفى سياق وقف الحرب وحل النزاع جذرياً وينتهز السانحة ليقرر -منفرداً- الكيفية التى على أساسها يتم حل النزاع. والواقع ان تدويل النزاع فى أبيي هو تكتيك جنوبي جرى التحضير والاستعداد له جيداً، ذلك أن الحكومة الجنوبية فيما يبدو لم تعد تثق فى إمكانية إيجاد حل يتسق مع رغباتها إذا ما تقرر إنفاذ آلية الاستفتاء وهى الآلية الوحيدة التى قرّرها بروتوكول أبيي 2004 وتتردد الحكومة الجنوبية فى الإقدام عليه، ولهذا تم اللجوء الى حيل وأحابيل ماكرة يتبنّاها الاتحاد الافريقي –وهو دون شك مغلوب على أمره– على أن يتبناها لاحقاً – إستناداً على التبنِّي الافريقي – مجلس الأمن الدولي، فقد تفتقت عبقرية السيدة رايس مندوبة الولاياتالمتحدة فى مجلس الامن والممسكة بالملف فعلياً عن هذه الوسيلة المبتكرة بحيث تصب قرارات مجلس السلم الافريقي فى مصب مجلس الأمن، حيث تم تحويل مجلس السلم الافريقي الى ما يشبه (محكمة الموضوع) –وفق التسلسل القضائي المعروف– ليصبح مجلس الامن هو (المحكمة العليا) التى تؤيد وتعدل أو تلغي قرار المجلس. ومن المؤكد ان الطريقة التى يُراد بها حل النزاع فى أبيي لصالح دولة الجنوب تمضي على هذا الاساس، بحيث يرفع مجلس السلم الافريقي مقترحه فى شكل قرار منه الى مجلس الأمن، ليتولى الأخير إصدار قرار تحت الفصل السابع لإلزام الطرفين به وهو أمر وفق العديد من المراقبين بات مسألة وقت فقط، لهذا رأينا (عملية التسخين) تتم فى المنطقة لأنّ سخونة النزاع تناسب الذين يستعدون للعملية الجراحية المعقدة فى نيويورك. ولكن السؤال الذى يفرض نفسه هنا هو، هل يستطيع مجلس الأمن إصدار قرار يأخذ صفة الالزام فى هذا الصدد بتبنِّي مقترح مجلس السلم الافريقي معدلاً كان أم غير معدل؟ الواقع ان من الصعب أن يصدر المجلس قراراً بهذا الصدد ولكن الصعوبة الكبري تكمن فى أمرين: الأمر الاول استحالة مخالفة أيّ قرار يصدر عن مجلس الأمن لبروتوكول أبيي الذى يحكم النزاع وآلية الحل، إذ أنه ومهما برعت واشنطن فى التلاعب بالصياغة وحشر وترتيب العبارات والكلمات، فإن مجرد خروج قرار مخالف لبروتكول أبيي فى أي شق أو جزء من يجعل القرار مستحيل القبول ومستحيل التنفيذ ويستطيع السودان وقتها إحالة الأمر الى محكمة العدل الدولية التى عليها حينها أن تقرر ما إذا كان القرار الدولي منسجماً مع برتوكول ابيي أم لا؛ ذلك لأنّ البروتوكل هو بمثابة اتفاقية دولية، والاتفاقيات الدولية هى بمثابة عقد (Contract) لا يجوز تعديل أو حذف أيٍّ من نصوصه خارج إرادة طرفيه مهما كنت الجهة التى تدخلت بالتعديل أو الخرق، ومهما كان التعديل أو الخرق ضرورياً لحفظ وصيانة الأمن والسلم الدوليين. وربما يتيح ذلك – لمن يرغب من أعضاء مجلس الأمن الدائمين – الاعتراض على القرار (الفيتو)، أو المطالبة بالمزيد من المراجعة وإعادة الصياغة بما قد يفضي فى النهاية الى قرار متسق مع البروتوكول أو صرف النظر عن الأمر تماماً. الأمر الثاني، على فرض صدور القرار متخطياً كافة هذه الحواجز التى أشرنا اليها أعلاه، بإفلاته من أي فيتو، وبصياغة مخالفة لنصوص بروتوكول أبيي وبعدم تدخل محكمة العدل الدولية حال لجوء السودان لها، فإن تنفيذ القرار على الارض سوف يكون مستحيلاً، إذ سيكون من المستحيل إرغام السودان على المشاركة فى عملية الاستفتاء، أو الاشراف عليه وهو غير موافق على القرار. مجلس الأمن الدولي فى هذه الحالة لن تكون له القدرة -عملياً- على إلزام السودان للقيام بالعملية أو المشاركة فيها وسيكون أقصي ما سيحدث أن الاستفتاء سيتم على النحو الذى يُراد به أن يتم لصالح دولة الجنوب بمعزل عن الجانب السوداني مما يجعل الاستفتاء كله باطلاً أو على الاقل غير قابل للإعتراف وسيظل النزاع حينها متواصلاً!