تتفاعل في الساحة السياسية السودانية حاليا العديد من الأفكار والأطروحات، الهادفة لمواجهة تحديات المرحلة الراهنة، ويتزامن الحراك السياسي الذي تنخرط فيه قوى كثيرة مع موعد انفاذ العملية الانتخابية في ابريل القادم، وهو موعد يجعل السودان مثار اهتمام المراقبين في الساحتين الاقليمية والدولية، وذلك لما يرتبط بأحداث الانتخابات، عبر العالم كله، من تفاعلات متعددة، يظل خلالها الرأي العام الداخلي منشغلا بشكل كبير بتداعيات واقعه السياسي، عبر التطلع لاحداث التغيير المنشود من خلال الوسيلة المشروعة والأكثر تحضرا في عالم اليوم، وسيلة الاحتكام الى صندوق الاقتراع، بنزاهة وشفافية. في ظل هذه المعطيات، يستشف المتابع لمجريات الأحداث السياسية اليومية ،داخل السودان وخارجه، ان هنالك قدرا كبيرا من تأكيدات التحلي بروح المسؤولية الوطنية، يتجلى من خلال تصريحات القيادات السياسية المختلفة، بين موقعي الحكم والمعارضة. ووسط انشغالات الساحة السياسية بحدث ( الانتخابات )، وهي انتخابات تراقبها - منذ الآن - مراكز ومنظمات اقليمية ودولية عديدة، يجد المحلل نفسه بمواجهة الكثير من التساؤلات السياسية التي تبحث عن اجابات بشأن طبيعة التحولات المرتقبة في السودان عبر خيار «صندوق الاقتراع». ومن بين هذه التساؤلات، يأتي تساؤل مهم، ويتمثل في مدى استطاعة القوى السياسية التي تتنافس عبر المعترك الانتخابي الراهن ايجاد الحلول للأزمات السودانية المتشابكة، والتي باتت تنذر بأخطار عظيمة. ان التوصل الى الحلول المنشودة للأزمات السياسية التي تواجه العمل السياسي الوطني في السوادن، يمر - بالضرورة - عبر البرامج والخطط المدروسة التي تخاطب المشكلات بمصداقية وواقعية، وتقدم وتقترح لها ما يلائمها من معالجات تهتم أولا بتحقيق المصلحة الوطنية للسودان وأبنائه. وتركز على استدامة هذه المعالجات بما يعين السودان على تجاوز الحلقة السياسية الشرية السابقة التي تكررت عدة مرات ونعني بها «حلقة قيام حكومة تعددية حزبية، ثم انقلاب عسكري، ثم انتفاضة شعبية تعيد الديمقراطية، ويعقب ذلك انهيار التعددية الحزبية على أيدي نظام عسكري جديد!». لقد عايشت أجيال عديدة من أبناء السودان مر التجارب السياسية المتعاقبة، ومما لاشك فيه أن هنالك أفكارا متشابهة تحملها الكثير من نخب العمل السياسي والأكاديمي في السودان، يسودها اجماع على رفض «التجارب الديمقراطية الهشة والضعيفة والعقيمة»، دون أن يعني ذلك القبول بمصادرة تجربة العمل السياسي الحزبي التعددي، بما يحتويه النظام الديمقراطي من ضمانات تتعلق بالحريات العامة. ان الانتخابات الحالية في السودان تتزامن مع تحديات صعبة، من بينها تحدي ايجاد التسوية السلمية الشاملة لأزمة دارفور، خاصة وأن هذه الأزمة رافقتها تداعيات خطيرة تتقدمها التطورات المرتبطة بادعاءات لويس أوكامبو المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، وما خلقته هذه التطورات من اشكاليات معروفة. ان نظرة العديد من المحللين لقضايا الشأن السوداني الآن، تتجه الى مطالبة الفرقاء السودانيين بإعلاء المصالح الوطنية العليا للسودان، وذلك من خلال مواقف عملية تبتعد عن أية شبهات للانقياد خلف أجندة التآمر الغربي ضد السودان، وهو بالطبع تآمر لا يستهدف الحكومة الحالية، وانما يستهدف سيادة السودان وأمنه واستقراره ومصالحه الحيوية الاستراتيجية. في ظل تداعيات أزمة دارفور، ووسط المخاوف من انفصال الجنوب، تتجه النداءات الوطنية في الساحة السودانية للمطالبة بتوافق وطني عريض، من خلال ميثاق شرف سياسي، بما يكفل تجاوز هاتين المشكلتين: أزمة دارفور واحتمال انفصال الجنوب. اننا نرى أن اقبال غالبية القوى الوطنية السودانية نحو الاستحقاق الانتخابي يمثل أحد العوامل الواقعية التي تقرب السودان وأهله من أفق الحلول المنشودة. ان التنافس الانتخابي هدفه اختيار الأصلح من بين السياسيين المتنافسين ليسهم بجهده عبر موقع صنع القرار، في ايجاد الحلول المطلوبة لأزمات الواقع ومشاكله. لهذا فإن حراك التفاعل السياسي خلال مرحلة الحملة الانتخابية في المشهد السوداني، قد يتيح فرصا مهمة لتبادل الحوارات الصريحة بشأن كيفية اطفاء بؤر الأزمات في الواقع السياسي بالبلاد. ان المتأمل لعمق الصراع السياسي الظلت معطياته تتكرر في الساحة السودانية، منذ الاستقلال (يناير 1956) حتى الآن، يستشف بوضوح أن حقيقة الصراع تتمحور بشكل أساسي حول كيفية ايجاد صيغة النظام السياسي المقبول من الجميع. بصفة عامة، فإن المشهد السياسي الراهن في السودان يثير أمام المحللين العديد من التساؤلات بشأن امكانية طي واقع الأزمات الحالية، والدخول في مرحلة جديدة للعمل السياسي الوطني، مرحلة تتراضى فيها مختلف الأطراف على معادلة ملائمة تحقق الاستقرار السياسي وتوطد الأمن في كل ربوع السودان، وتستجيب لكل المطالب المشروعة التي ينادي بها الرأي العام السوداني وفي مقدمتها اقرار التحول الديمقراطي بشكل سليم، يتجاوز مختلف تشوهات وعلل تجارب «الديمقراطية الليبرالية» السابقة في السودان. المصدر: الوطن القطرية 21/2/2010