ألقت السلطات السودانية القبض على خمسة من قيادي المعارضة التي شاركت في التوقيع على وثيقة كمبالا مع الحركات المسلحة، وقد أطلق على هذه الوثيقة 'ميثاق الفجر الجديد'، وهي تدعو إلى إسقاط نظام الحكم القائم في السودان، وقال فاروق أبو عيسى رئيس هيئة قوى الإجماع الوطني إن وثيقة كمبالا تعزز مبدأ الحوار الوطني، على الرغم من بعض التحفظات على ما ورد في الوثيقة، ذلك أن المعارضة من وجهة نظره متمسكة بالنضال السلمي لإسقاط النظام. من جانبها طالبت الهيئة السودانية للدفاع عن الحقوق والحريات بإطلاق سراح المعتقلين، وقالت الهيئة إن الاعتقال يتعارض مع حق التعبير والمواثيق الدولية. وقال المنسق العام للهيئة الدكتور فاروق محمد ابراهيم إن الهيئة ظلت تتابع بقلق الأوضاع الإنسانية المتراجعة في السودان، وكذلك افتعال الحروب في دارفور والنيل الأزرق وجنوب كردفان. ومن جهته حرض والي الخرطوم أئمة المساجد على أن يهاجموا في خطبهم 'ميثاق الفجر الجديد'، لأن هذه الوثيقة بحسب قوله تدعو إلى الفجور والمعصية ، وقال الوالي يجب ألا تفرض العلمانية بالقوة في السودان، مؤكدا أن النظام مستعد لمنازلة كل من يريد محاربة الشعب السوداني في عقيدته. مؤكدا أن تغيير النظام يجب أن يكون بالوسائل الديمقراطية وعن طريق صناديق الاقتراع، لا عن طريق العنف. مؤكدا في الوقت ذاته أن الحزب الوطني، وهو حزب الحكومة، سيجري انتخابات حرة ونزيهة وستكون مفتوحة لكل من يريد أن يشارك في حكم البلاد. وقد أكد أئمة المساجد أنهم سيعارضون أي دعوة تنال من عقيدة أهل السودان أو تدعو إلى الردة إلى مجتمع ما قبل عام 1983. من جهته قال الرئيس السوداني عمر البشير إنه لن يسمح لأي قوى تتعامل مع الحركات المتمردة بالعمل السياسي، ويشير الرئيس السوداني بذلك إلى ثلاث حركات متمردة في دارفور، وهي العدل والمساواة وحركة تحرير السودان بقيادة عبد الواحد نور وفرعها الآخر بقيادة مني مناوي، يضاف إلى ذلك الحركة الشعبية فرع شمال السودان، التي تواصل القتال في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق. وفي تطور آخر أصدرت قوى الإجماع الوطني، التي تضم أحزاب المعارضة الرئيسية بيانا تؤكد فيه نهجها السلمي في تغيير النظام، وتضم هذه الأحزاب، حزب الأمة بزعامة الصادق المهدي وحزب المؤتمر الشعبي بقيادة الدكتور حسن الترابي والحزب الشيوعي إلى جانب أحزاب ذات طابع يساري أخرى. ومن المحركات لكل ذلك حالة التضخم التي يعاني منها السودان، وهي التي كانت السبب وراء كثير من المظاهرات الشعبية التي شهدتها بعض المدن السودانية. وبالطبع تحركت بعض أحزاب المعارضة لتحمل الحكومة مسؤولية هذا التضخم، كما ذهب إلى ذلك كمال عمر المتحدث باسم حزب المؤتمر الشعبي، الذي قال إن الحكومة تحاول الهروب من مواجهة هذا الواقع بافتعال أزمات سياسية والتضييق على الحريات التي كفلها الدستور. وقد وصف القيادي في الحزب الناصري ساطع أحمد الحاج تصريحات الرئيس البشير بأنها تخالف دستور عام 2005، كما تخالف قانون الأحزاب. ووصف علي السيد القيادي في الحزب الاتحادي الديمقراطي تصريحات الرئيس البشير بأنها تعكس حالة احتقان سببها صراع داخلي في حزب المؤتمر الوطني الحاكم. وإذا توقفنا عند هذه الصورة العامة للمشهد السياسي في السودان تأكد لنا أن جميع القوى المكونة للخريطة السياسية في السودان بدأت في التحرك بأسلوب منظم، وهذا أمر لم يكن معهودا في السنين الأولى من حكم الإنقاذ، ولا يعني ذلك ان مساحة الحريات في البلاد قد اتسعت، وإنما يعني فقط أن السودان لم يعد بعيدا عما يجري في مناطق أخرى في العالم العربي، فقد تعلم الشعب أنه ليس بحاجة إلى الانتظار لمن يقوده إلى طريق التغيير لأن كثيرا من الشعوب العربية قد أحدثت التغيير بنفسها، ولكن عندما ننظر إلى الواقع السياسي في السودان نجد أن التغيير المطلوب لا يعني فقط إسقاط نظام الحكم، بل يعني أيضا إيجاد النظام البديل الذي يحقق أهداف الوحدة الوطنية والتقدم الاجتماعي والاقتصادي، ولا يقف النظام البديل عند تغيير نظام الحكم ذلك أن الدرس الذي قدمته ثورات 'الربيع العربي' أكد أن تغيير السلطة وحده ربما لا يكون هو الطريق الأمثل لإحداث التغيير، وإذا نظرنا إلى السودان في إطار هذا الواقع تساءلنا ما الذي يمكن أن تقدمه الأحزاب التقليدية، مثل الأمة والاتحادي الديمقراطي والشيوعي للبلاد إذا حدث التغيير، ذلك أن معظم هذه الأحزاب إما طائفية وإما أيديولوجية وكلها تسعى إلى السلطة من دون أن تكون لها رؤية حقيقية في التغيير، تضاف إلى ذلك الحركات الثورية المسلحة التي تحركها نوازع عنصرية، فهل تريد أن تبدأ حربا عنصرية في داخل العاصمة الخرطوم؟ سيكون ذلك بكل تاكيد أمرا خطرا جدا، ذلك أن العاصمة السودانية كان عدد سكانها مئتين وخمسين ألفا قبل الاستقلال، واصبح سكانها الآن ثمانية ملايين، نزح معظمهم من الأقاليم التي توجد بها حركات ثورية مسلحة في الوقت الحاضر، وإذا وصلت هذه الحركات إلى الخرطوم كما تطمح إلى ذلك فمعنى هذا أن ينفجر البركان العنصري داخل العاصمة السودانية، وسيكون ذلك أمرا خطرا جدا، وبالتالي فيجب أن تتغلب الحكمة سواء كان ذلك بالنسبة للمعارضين أم بالنسبة للحكومة، وأن يبحث الجميع عن صيغة للتوافق الوطني حتى يصلوا إلى شكل الحكم الذي يريدون من دون اقتتال. أما التحذير من أن الحركات المتمردة ستواجه بالقوة فلن يكون ذلك حلا مضمونا، ولكن للأسف فإنه لا يوجد أحد أو اتجاه في السودان يفكر بهذه الطريقة منعا للصدام الذي سيلحق أضرارا كبيرة بالبلاد. ولا شك أن السودان بلد غني وهو لا يريد سوى أن يستقر فيه الناس من أجل استخدام موارد الدولة الكبيرة لصالح الجميع، وهذا هو الذي يجب أن يفكر فيه المواطنون لا أن يفكروا في انتزاع السلطة بالقوة، لأن السلطة وحدها لن تحقق الأهداف إذا لم تكن قائمة على قاعدة سياسية واقتصادية واجتماعية متينة. ولا نحمل المسؤولية هنا للشعب وحده بل نريد من السلطة القائمة أن تعيد قراءة أوراقها القديمة لتحدد ما إذا كانت قد تمكنت من تحقيق أهدافها التي طمحت إليها وإذا لم تحقق تلك الأهداف فعليها أن تتعاون مع الآخرين من أجل إيجاد مخرج من أجل صورة حديثة لنظام الدولة الذي يريد أن يتعايش الجميع في داخله. ويجب في ضوء ذلك ألا تحرض السلطة قوى الشعب ضد الحركات السياسية المناوئة وتصويرها على أنها تقود حربا ضد الدين لأن ذلك غير صحيح كون معظم الحركات السياسية لها مرتكزات دينية وهي لا تستهدف الدين، بل تستهدف الوضع السياسي القائم في البلاد.