بعد مقاطعتها للجنة الدستور، وفى الوقت نفسه انتقادها لعملية إعداد الدستور ثم مطالبتها بأن يأتي الدستور مستصحباً لواقع البلاد الإثني والثقافي، عادت قوى المعارضة السودانية لتقاطع –منذ الآن– الانتخابات العامة المقبلة فى العام بعد القادم! في قضية الدستور حدث قدر من التردد رغم أن القرار النهائي كان ألاّ مشاركة، ومع ذلك وجدت قوى المعارضة صعوبة بالغة فى الثبات على موقفها فأصبح هناك في كل يوم تصريح من بعض قادة المعارضة بضرورة أن يقر الدستور المقبل هذه النقطة أو تلك وأن يستصحب الدستور هذه الحقيقة أو تلك. آخر المطالبين كان القيادي بحزب الأمة القومي نجيب الخير عبد الوهاب الذي طالب بإقرار ممارسة ديمقراطية تفتح الباب لمنافسة سياسية حرة. والغريب أن نجيب الخير قال إن الوطني (غير مؤهل) لكي يكون أميناً على صياغة دستور جديد بعدما تغول وقوض دستور 1985م! وجه الغرابة هنا أن المعيار فى صياغة الدستور لو كان كذلك لما كانت هناك (جهة سياسية) واحدة فى السودان مؤهلة للمشاركة فى إعداد الدستور، وفى مقدمة غير المؤهلين حزب الأمة نفسه الذى قوض هو الآخر دستور 1956 حين سلّم السلطة للفريق إبراهيم عبود في العام 1958. وغني عن القول هنا أن إعداد الدستور -كما قلنا مراراً- ليست هي عملية (فرض قوة أو عضلات)؛ هي عملية وطنية قومية كبرى المناط فيها للتوافق السياسي ولا يدري أحد كيف لقوى المعارضة السودانية وهي تُدعي لأول مرة في ظروف مختلفة لصياغة دستور تفترض مسبقاً أن أحداً لن يأخذ برأيها! لم تكن هناك تجربة مماثلة كهذه فى ذات الظروف الماثلة، كما أنها مهمة وطنية كان من المفهوم أن لو إنفرد بها الوطني وحده أن تحتج قوى المعارضة على عزلها؛ أما وأن تعزل نفسها بنفسها وبمبررات واهية فهذا من قبيل الهروب والتهرب من القيام بالواجب الوطني. وتأسيساً على ذلك فقد كان من المحتم أيضاً أن ترفض قوى المعارضة –بعد رفضها المشاركة في صياغة الدستور– المشاركة فى الاستحقاق الانتخابي المقبل، إذ أن هذه القوى ترددت ثم سقطت فى الاستحقاق الانتحابي السابق في ابريل 2010 متجاهلة أن خوضها له كان سيمنحها القدرة على المنازلة والتآلف مع الملعب وكيف ستسد الثغرات وأين تضع لاعبيها وأين تضع محرزي الأهداف. اختيار هذه القوى للوقوف على الرصيف والعالم كله يومها يشهد ويراقب المنافسة الساخنة جعلها تلقائياً تنسحب من المشهد السياسي العام وتغيب تبعاً لذلك عن ذهن الناخب ويستبعدها من خيارته. وعلى ذلك فهي لن تستطيع كأمر طبيعي أن تخوض استحقاقاً مقبلاً اشد ضراوة من سابقه؛ فعنصر التجربة هنا ضروري ومهم للغاية، فحتى الفرق الرياضية وقبل أن تخوض مباراة هامة تدخل مراناً خاصاً وتجري عدداً من التجارب حتى تتأكد من أن لياقة اللاعبين جيدة وتنفيذهم لخطة اللعب جيدة. للأسف الشديد قوى المعارضة السودانية أسيرة لماضي مضى، طالته متغيرات هائلة وتاريخ لن يعود إلا إذا عادت عقارب الساعة للوراء، ومع ذلك فهي ترفع عقيرتها بكلام لا يسمن ولا يغني من جوع.