بالندوة التي نظمها مركز اتجاهات المستقبل بالتعاون مع بعثة الأممالمتحدة بالسودان فاجأنا وزير الخارجية دينق ألور في الجلسة الختامية بأفكار وصفها الدكتور غازي صلاح الدين بأنها تمثل نموذجا من التناغم والانسجام في فكر دينق ألور الذي يستحق جائزة في هذا المضمار, بمعني أنه لم يتغير ولم يتبدل بما تم التوقيع عليه من اتفاقية كان يفترض أن تجب ما قبلها لدي دينق ألور ولكن فيما يبدو أن القيادي بالحركة الشعبية ظل مغلبا ما يعن في دواخله علي ما تم الاتفاق عليه وهو ما يزال في مربعه الأول- وهو مربع التمرد والانفصال. يدعو دينق ألور إلي وحدة بشكل يخالف الشكل الحالي للسودان, وهو كما زعم السودان الجديد الذي يتساوي فيه المسلم والمسيحي ويخضع الجميع لقوانين لا تمت إلي الشريعة الإسلامية بصلة ويعلم ألور بأن اتفاقية السلام قد تجاوزت كل هذه الشعارات ووضعت حداً لما كان من خلاف, إذ لا يعقل منطقيا أن يتجرد أهل الشمال من عقيدتهم وارثهم الثقافي- بمثل ما تم الاعتراف بالجنوب وأعرافه وترك لهم الحبل علي الغرب طوال الفترة الانتقالية- حيث حكم الجنوب وشرطته وإدارته المدنية وما يدور في فنادقه- أمر معلوم- فلماذا يريد القيادي بالحركة الشعبية لأهل الشمال مفارقه قيمتهم وتقاليدهم مفارقة معذور وعاذر بحجة أن يتساوي الجميع, فالمساواة ليست بمعيار العقيدة والثقافة – لكنها بمقياس الحقوق والواجبات. وما أعجبني في تعليق الدكتور غازي صلاح الدين علي ما كرره دينق ألور من ضرورة أن تكون الوحدة علي نسق جديد, قوله بأن تكون اتفاقية السلام قد حسمت كل شي – سواء ما يتعلق بنظام الحكم أو الثروة أو السلطة أو غيرها. والوحدة الجاذبة في عقيدة دينق ألور أن تبذل الحكومة الاتحادية مالا إضافيا للتنمية في الجنوب خلافا لنصيب الجنوب الذي قررته الاتفاقية باعتبار أن ما يمنع للجنوب هو من نصيب الجنوب, وهو مطلب لا أدري من أين أتي به دينق ألور, كأنما أن الجنوب قد أصبح دولة منفصلة – وأن الحكومة الاتحادية تأتيها الأموال من السماء وليس من إقليمها الذي تشكل الولايات لحتمه وسداه. وما يدهش في حديث دينق ألور- بأنه ترك اتفاقية السلام وما نصت عليه من التزامات وراء ظهره, وأراه قد تملص منها تماما بطرح أفكار جديدة تصلح لبداية مفاوضات جديدة حول اتفاقية في طريقها لتكشط اتفاقية السلام التي شهد عليها العالم بجرة قلم. وإذا كان السيد وزير الخارجية يعتقد أن الوحدة تتطلب أن يلغي الشمال شخصيته الاعتبارية ويبقي الجنوب بحجمه ولونه ومزاجه, فان هذا التصور لا يعتبر عن الوحدة, لان الوحدة هي أن يقدر كل طرف ما يراه الآخر ويدين به بمثل الذي نصت عليه اتفاقية السلام- بتشكيل مفوضية لغير المسلمين – ترعي شأنهم والعدل يقتضي أن تنشأ مفوضية بالجنوب للمسلمين حتي لا يتم التعدي علي حقوقهم وتهديد وحدتهم بمثل ما ترويه لنا الإخبار من مفارقات ومضايقات. والأصل في الوحدة أن تتنوع العقائد وتمتزج الثقافات ويحترم كل فريق ما يدين به الفريق الآخر سواء أكان مسيحية أم إسلاما, وإذا كان للمسيحي أو المسلم من خصوصية فهي شأن تضطلع به المفوضية لإيجاد الحلول الوسطي التي تقتضي ضرورة التعايش وضمان السلام وإذا كانت الوحدة ابتزازا من طرف تجاه الآخر- فلا مرحبا بها علي الإطلاق.