في نهاية إبريل/ نيسان، توقعت دراسة للبنك الدولي أن يتجاوز حجم الاقتصاد الصيني نظيره الأمريكي في وقت قريب، ورأى الاقتصادي والمعلق الأمريكي مارك ويسبروت في ذلك مؤشراً على أن الولاياتالمتحدة ستفقد مركزها المسيطر عالمياً، وأن نظاماً عالمياً متعدد الأقطاب سيظهر، وفي مقال بعنوان "العالم ليس لديه ما يخشاه من فقدان الولاياتالمتحدة السيطرة" نُشر في موقع "زي نت"، كتب يقول: النبأ الذي أفاد حديثاً بأن الصين ستحل محل الولاياتالمتحدة كأكبر اقتصاد في العالم هذا العام هو نبأ كبير . وبالنسبة للاقتصاديين الذين يتابعون هذه المقاييس، هذا التحول الضخم حدث على الأرجح قبل بضع سنوات، ولكن البنك الدولي أعلنه رسمياً الآن . ماذا يعني هذا التحول؟ . . أولاً، النواحي الفنية: فهذه المقايسة بين الاقتصادين احتسبت على أساس ازدواجية القوة الشرائية، ما يعني أنها تأخذ بالحسبان اختلاف الأسعار في البلدين، وهكذا، إذا كانت قيمة الدولار اليوم تساوي 6،3 رينمينبي في سوق الصرف الأجنبي، فإن 6،3 رينمينبي يمكن أن تشتري في الصين أكثر بكثير مما يمكن لدولار واحد أن يشتريه في الولاياتالمتحدة، والمقايسة على أساس ازدواجية القوة الشرائية تضبط ذلك . ولهذا السبب اقتصاد الصين أكبر بكثير من المقايسة الأكثر شيوعاً التي رأيتموها في وسائل الإعلام، والتي تحول ببساطة الناتج المحلي الإجمالي للصين إلى دولارات حسب سعر الصرف الرسمي . ولنأخذ مثالاً تطبيقياً على ذلك، الإنفاق العسكري: فالأموال التي تحتاجها الصين لبناء طائرة مقاتلة أو دفع رواتب عسكريين تقل بكثير عن معادلها بالدولارات الذي يتعين على الولاياتالمتحدة أن تنفقه على ذات السلع والخدمات، وهذا يعني أن الصين لديها اقتصاد أكبر من اقتصاد الولاياتالمتحدة، في ما يتعلق بتقييم الانفاق العسكري . . وفي غضون عقد، من المرجح أن يكون الاقتصاد الصيني أكبر من الاقتصاد الأمريكي بحوالي 60% . لقد عاد الرئيس أوباما من رحلته الأخيرة إلى آسيا، حيث واجه انتقادات لأنه لم يكن أكثر تشدداً إزاء الصين، غير أن الأمريكيين يمكن أن يرغبوا النظر في مسألة ما إذا كان "احتواء" الصين من خلال استراتيجية "الانعطاف" نحو آسيا هو مسألة ميسورة التكلفة . فعندما كانت الولاياتالمتحدة تخوض سباق تسلح مع الاتحاد السوفييتي، كان الاقتصاد السوفييتي ربما بحجم ربع اقتصادنا، ونحن لم نختبر سباق تسلح مع بلد اقتصاده أكثر من اقتصادنا، وأفضليته الاقتصادية تتزايد بسرعة . فهل الأمريكيون مستعدون للتخلي عن الضمان الاجتماعي أو برنامج "ميديكير" للضمان الصحي من أجل الاحتفاظ بالتفوق العسكري الأمريكي في آسيا؟ إن طرح هذا السؤال لهو إجابة عليه . لحسن الحظ، مثل سباق التسلح هذا ليس ضرورياً، فالصين قوة صاعدة، ولكن لا يبدو أن حكومتها مهتمة ببناء إمبراطورية . وخلافاً للولايات المتحدة، التي لديها مئات القواعد العسكرية عبر الكرة الأرضية، الصين ليس لديها أي قاعدة، والحكومة الصينية تركز بقوة على النمط الاقتصادي، وتحاول أن تصبح دولة متقدمة بأسرع ما يمكن . وحيث إن الصين لديها 1،3 مليار نسمة، فإن امتلاكها اقتصاداً بحجم الاقتصاد الأمريكي يعني أن متوسط مستويات المعيشة لديها، أدنى من ربع متوسطنا، وبالتالي لا يزال أمامهم طريق طويل حتى يصبحوا بلداً غنياً . وطبعاً، أن يكون سباق تسلح غير ضروري أو يتعذر الفوز فيه لا يعني أنه لا يمكن أن يحدث إذ إن مؤسسة السياسة الخارجية في واشنطن اعتادت التمتع بالسيطرة والاعتبار لكونها القوة المهيمنة على كوكب الأرض . وكما شهدنا خلال توسع حلف الأطلسي شرقاً في التسعينات، ونشهد الآن استهلال حرب باردة جديدة مع روسيا، فإن هناك متعاقدين مع المؤسسة العسكرية يتمتعون بنفوذ سياسي ولهم كلمة في السياسات الخارجية والعسكرية الأمريكية . غير أن الشعب الأمريكي، وفقاً لمعطيات الاستطلاعات، له رأي آخر، فالأمريكيون عموماً سئموا الحروب غير الضرورية، ومعظمهم تعاطف مع رد أوباما على منتقديه خلال وجوده في الفلبين عندما قال: "لماذا يتوق البعض لاستخدام القوة العسكرية بعد كل ما عانيناه خلال عقد من الحرب بثمن باهظ بالنسبة لقواتنا وميزانيتنا؟" ويمكن القول إن السبب الوحيد الذي يجعل حكومتنا قادرة على اتباع سياسة خارجية امبراطورية هو أن نسبة ضئيلة فقط من الأمريكيين يخدمون في الجيش ويدفعون الثمن الأقصى لذلك . ولكن في الوقت ذاته، هناك ايديولوجية متنفذة تؤمن ب"التفرد الأمريكي"، واعتقاد على نطاق واسع بأنه إذا لم تتولَ الولاياتالمتحدة إدارة العالم، فإن أحداً اسوأ - يمكن أن يكون الصين - سيفعل ذلك . وفي الواقع، مؤسسة سياستنا الخارجية لا يمكنها تصور عالم متعدد الأقطاب يتعين فيه على الولاياتالمتحدة وحلفائها أن يتفاوضوا أكثر وأن يصدروا أوامر أقل . ولكن الاتجاهات الاقتصادية أخذت تجعل هذا الواقع حتمياً، وعلى الأمريكيين أن يتقبلوه . وأياً تكن الأنظمة السياسية الداخلية للبلدان التي سيتعاظم دورها في الحلبة الدولية، فإن المحصلة النهائية ستكون على الأرجح حكومة عالمية أكثر ديمقراطية، وحكم قانون دولي أكبر، وحروباً أقل، وتقدماً اجتماعياً واقتصادياً أكبر . المصدر: الخليج الاماراتية 20/5/2014م