وُجهت لي دعوة من الاخ مولانا محمد بشارة دوسة وزير العدل لحضور حفل العشاء المقام على شرف الحركة الوطنية للإنقاذ التشادية (الحزب الحاكم) وذلك فى الاسبوع الماضي وعملت أنها فى إطار الزيارات المتبادلة بين الحزبين الحاكيمن في تشاد والسودان. كما شرفني الاخ دوسة ان اقول كلمة الترحيب الشعبي بالوفد لا سيما واننا كنا بالامس القريب بأم جرس الثانية ضيوفاً على هؤلاء الرجال الكرام والنساء الكريمات الذين اغدقوا علينا (وابلاً) من الكرم الافريقي والعربي الفياض، تمثلت عظمة المناسبة فى الحضور الكثيف والنوعي الذي شمل طيفاً من علية القوم من السودانيين وزاد ذلك شرفاً حضور القيادات الشعبية والسياسية الدارفورية وإن دل ذلك فإنما يدل على استعدال العلاقة السياسية بين الدولتين فى الاتجاه الايجابي الذي تستفيد منه أولاً شعوب الدولتين الحدودية بين الدولتين، وهذا ما ظللنا ننادي به دوماً. على كل لقد قلت فى كلمتي ان العلاقة بين السودان وتشاد عبارة عن علاقة تاريخ وجغرافية وأرحام تمتد ليس لمئات السنين وإنما لآلاف السنين وليس ذلك حصراً على البلدين وإنما حتى الصومال وارتريا والحبشة كانت مسمى بلاد السودان، وقبل ذلك كانت تسمى (تهانسو) وهذا يدل على ان الرقعة كانت واحدة، أما التقسيم فكان بسبب الهجة الاستعمارية وشمل تقسيم بلاد افريقيا وبلاد العرب في آسيا بين الدول العظمى. وكان على رأسها بريطانيا وفرنسا وايطاليا واسبانيا والبرتغال، أما اميركا فجاتء تأخرة ولكنها اطبقت على الجميع وكأنها تمثلت قول الشاعر: وإني وأن كنت الاخير زمانه لآت بما لم تستطعه الاوائل. ثم قلت ان الدماء الدارفورية مختلظة بالدماء التشادية وان اكثر من 90% من قبائل دارفور لها امتداد عميق في تشاد وقلت ان معظم العناصر العربية فى دارفور هاجر أجداها من تشاد. وهذا يلقي علينا مسئولية كبيرة لحفظ هذه المواعين فى إطارها الصحيح، وان لا نجعلها أدوات للحروب والفتك بالآخرين وإنما نعمل على استغلالها وفق النصوص الربانية وجعلناكم شعوباً وقبائل. ثم قلت فى كلمتي المقتضبة ان تشاد شهدت فى الآونة الاخيرة استقراراً نسبياً وعملت على شق الطرق وتقديم الخدمات وظهرت بوادر التنمية وانشاء المطارات والسبب انها عقدت مؤتمرات عدة لتشخيص القضية التشادية واتفاق الجميع على تجاوز مرارات الماضي و النظر الى المستقل برؤية مشتركة، وعمدوا فى مؤتمرهم الذي انعقد قل بضعة سنين الى تقسيم الثروة والسلطة، وهذا هو سبب الاستقرار الاخير رغم وجود بعض المعارضين التشاديين فى الحدود. وقلت فى كلمتي ان التجربة التشادية حرياً بالمحيط الاقليم المجاور لها من دراستها والتمعن فى نتائجها فكثير من الدول المجاورة لتشاد تعيش مشاكل متشابهة كما تقول الحكمة، أن الحكمة ضالة المؤن أينما وجدها أخذها، ليس بالضورة ان تكون من كبير لصغير أو من غني لفقير أو عالم لأمي، وإنما ربما يكون العكس صحيحاً. وختمت الكلمة بقضية دارفور التى اجتمعنا فيها بأم جرس قبل شهرين تقريباً وما حضور الرئيسين ديبي والبشير للمؤتمر مثل قمة الاهتمام بالقضية. وقلت نحن فى دارفور لا زلنا غرقى فى لجة الازمة، حروب بين الحركات المسلحة والحكومة، حروب قبلية مستعرة وقطع للطرق وهجر للعمالة للزراعية لعدم توفر الامن، وغلاء افحش من الفحش، وذلك تبعاً لافرازات الحرب بين التمرد والحكومة بالتفويض الذي منحه الرئيس البشير لأخيه ديبي وتفويض قبائل دارفور، فالمرجو أن تلعب تشاد دورها فى هذا الملف عطفاً على العلاقات الحدودية والقبلية بين درافور وتشاد. إن ما اريد ان اقوله بعد هذه المقدمة التى جاءت فى سياق كلمتي فى ذلك الحفل، ان تشاد عمق للسودان والسودان عمق لتشاد، فلا بد من استغلال هذه الاعماق لصالح الشعوب، ليس من اجل مصالح الحكومات والنعرات قبلية او السياسة كما حصل فى الماضي القريب عندما دقت الغضبة السودانية ابواب انجمينا بأفواه المدافع والبنادق، وهذه بتلك عندما أحضرت انجينا المرحوم خليل ابراهيم ليدق ابواب ام درمان ليس باصابع رقيقة لتكتب على الابواب بالفحم الاسود أن (حضرنا ولم نجدكم) وإنما فعل ذلك ايضاً باصوات الراجمات والمدافع الثقيلة. فليتخيل القارئ كم فقدنا من أنفس عزيزة وأموال طائلة.. ولم يجد ذلك فتيلا؟ وفى الاخير جلس البلدان لتحسين العلاقات وهذا هو المفروض. ان التشاديين لا يستكنفون الدور السوداني الفضل عليهم على مر التاريخ، ففي أم جرس تحدث الويزر دوسة شقيق الرئيس التشادي ان ثورتهم الحقيقية بدات فى اجتماع بنيالا فى دارفور عام 1963 وان المستشار الرئيس أحمد صبيان بعد ما أكثر في إطراء السودان وفضله عليه قال عندما يغيب أحد التشاديين فى الزمان الماضي ويقلون اين ذهب فلان، كان الرد أن فلان راح السودان، بلد الامان، حتى إن الرئيس ديبي لم يخف أنه درس المدرسة الاولية فى السودان. أما التاريخ الحاضر فأكد أ، حسين هبري انطلق الى حكم تشاد عام 1983 من الجنينة بدعم من الرئيس نميري وان ادريس ديبي نفسه انطلق عام 1990 الى حكم تشاد بدعم من حكومة الانقاذ الحالية، وهكذا لو خدمت الظروف خليل ابراهيم لاصبح تغيير الحكم فى السودان بسبب الدم التشادي. اعتقد ان العلاقة الآن وضعت فى إطارها الصحيح، واستطيع ان اقول ان التشاديين الآن أصدق معنا أكثر من اي فترة مضت، والسؤال هنا هو هل صدقنا نحن معهم؟ هذا السؤال مطروح بشدة للنخبة السودانية ويجب ان تعقد لهذا السؤال ورش فكرية تستمر الساعات الطوال لتجيب عليه بكل وضوح. وحتى ذلك الوقت اقول ان اتشاد ليست هي تشاد الخمسينات والستينات والسبعينات من القرن الماضي، تشاد الآن عمها الاستقرار بعد ان ققطعت دابر الحرب القبلية أما اللصوص وطقاع الطرق فحدث ولا حرج، يمكنك أن تنام فى اي مكان وحولك آلاف الدولارات ولا يد تمتد لتنهب منك شيء. فعقوبة الحرامي، مجتمعة اكثر منها قانونية او حكومية، الحرامي يقتل قبل ان يسبق هو بنفسه الى الشرطة. اما سياسياً فكسبت حتى المجتمع الدولي وحجزت مقعدها فى مجلس الامن الدولي ثم باطن ارضها بدأ يرضع شعبه من اثدائه الكثر، وأول ذلك البترول. تحركت التجارة والشركات الدولية فى تشاد فى سهولة يسر ويعني ذلك إذا ما امتدت يدها للآخرين ونحن فى السودان أحق بذلك، يجب ان نمد يدنا اليها بيضاء من غير سوء. هم يعترفون بفضلنا عليهم تاريخياً ويقون الان بتطورنا، كما قال رئيس وفدهم الجنرال محمد علي عبد الله نصر إن مستشفياتكم وجامعاتكم التى تعج بأبنائنا وبناتنا افضل من الدولة الفلانية الفلانية، وذكر الدول بالاسم. إذن ما يجمعنا أكثر مما يفرق، وفى الحقيقة وتمشياً مع الحكمة النبوية القائلة من لا يشكر الناس لا يشكر الله، نشكر الرئيسين البشير و ديبي اللذين وضعا قطار العلاقة فى إطاره الصحيح وانشاء الله يكونا خير سلف لخير خلف بعد عمر مديد بالعمل من اجل الشعبين الشقيقين. وكلمة الختام فى حق الاخ وزير العدل الذي ظل يوسع مدارك الافق القومي فى كل سانحة يجدها لتعميق العلاقة بين الشعبين وسقيها ورعايتها بأيادي الجميع. فهو لم يكتف بوظيفته وينكفيء عليها، فكلما وجد فرصة سواء فى تشاد او السودان جمع الناس ليتقاربوا ويتباحثوا المستقبل المشترك، الامر الذي كان مفقوداً فى السابق. جزاه الله خيراً ووفق الجميع بناء علاقة حدودية طبيية وما تشاد والسودان إلا مثال، فهناك ثمانية دول اخرى أحق بتوجيه العلاقات الحدودية لصالح الشعوب بعدما كانت ردحاً من الزمن لصالح الحكام. نقلا عن التغيير 18/6/2014م