يكابد المرء معضلات عديدة لفهم اتجاهات بعض الأحزاب والقوي السياسية بما فيها المؤتمر الوطني لما تمخضت عنه نتائج الانتخابات الحالية وقراءتها قراءة وافية تقارب فيها السياسي بالمتحول الاجتماعي الذي طرأ علي المجتمع والاستجابة لمستلزمات التطور الحقيقي الذي سارت عليه العملية الانتخابية وحلبت به تجلياتها وظلالها. وفي احسن الأحوال الا تتجاوز الأحزاب والكيانات السياسية في أي مكان وجدت في أرجاء الدنيا القراءة المتعجلة لسطح الأحداث دون الخوض في الدلالات والخلاصات النهائية وتعميق النظر واعمال التحليل المجهري لما تحمله احداث جسام مثل هذه الانتخابات من عوامل تغيير وخصائص جديدة تتغيير بموجيها الوقائع وتتحول الدفة والشراع. ومن الضروري الا تغرق في المسائل التي تطفو مع زبد الأحداث ونملأ البرامج الكلامية في الااذعة والتلفاز ونسود صحائف الصحف بالتعلقيات الفاترة والهتافات الضئيلة البنية ونترك أمهات القضايا التي عليها تنظيم عملية التغيير والتحول الحقيقي لواقع أفضل عمادة الحركة السياسية الواعية ومجموع خطاباتها الجديدة وتحدياتها الحقيقية ثم الأداء التنفيذي لجهاز الدولة وأدواتها التي تتركب من جديد لانفاذ البرامج والأطروحات التي قدمت للناس خلال العملية الانتخابية.. هذا علي مستوي الجهة التي ربحت جولة الانتخابات الحالية وهي عليها واجب التفكير العميق في افرازات هذه النزالات والاعتراكات السياسية واثرها الاجتماعي السياسي والأضواء التي تلقيها علي المستقبل. ولكي يكون الحديث أكثر توضيحاً فان المرحلة القادمة يجب أن تحمل ملامح جديدة قياسا بما حدث في الانتخابات من مفاجات وتحولات فالفئات العمرية التي غلبت في عمليات الاقتراع والمشاركة والوجود الكثيف للمرأة وضالة العنف الذي صاحب العملية وأثر التعليم والاعلام والوعي وارتفاع معدلات التنمية والخدمات في صياغة ذهنية الناخب وانكشاط وغياب الولاءات الدوغمائية القديمة والانصياع الأعمي للطائفية السياسية وضمور الشعور الجهوي كلها أسباب تستحق أن يعاد فهمها ومناقشتها بترو وتؤدة وعمق. ومن سياقات هذا الحديث أنه قبيل بدء العملية الانتخابية منذ مراحل التسجيل كانت هناك جهات عديدة وبعضها مراكز علمية وبحثيه ومعاهد دراسات تضع افتراضات بأن غلواء الجهوية والعصبية المناطقية والقبلية ستغلب علي هذه الانتخابات لكن من خلال الملاحظة والتجربة العملية ثبت أن هذه المثالب لم تنضح بها كل الأوعية السياسية وانحسرت تماما وضعف للغاية دور الأحزاب الجهوية فمثلا في غرب السودان لم يكن هناك وجود أصلاً للحركات الموقعة علي اتفاق أبوجا أو التي قادت التمرد في ولايات الاقليم وغاب صوتها تماما والتي شاركت في الانتخابات لم يلتفت اليها أحد وفي كردفان ضمر وجود الأحزاب الجهوية خاصة في جنوب كردفان مثل الحزب القومي السوداني وشظاياه اللاحقة وفي شرق السودان تواري مؤتمر البجا وجبهة الشرق والاسود الحرة ولم تكن منافسا حقيقيا ولم تسهم في صياغة الرأي العام المحلي ولا المجتمع السياسي هناك. هذه كلها مؤشرات جيدة تجعل من الضروري حقا الجلوس لتحليل هذه الانتخابات والخلوص لنتائج واراء تقود وتهدي لصناعة افكار تحديثية فعالة للبناء والنهضة والاستقرار والسلام والعدالة الاجتماعية والتنمية المتوازنة وانتاج خطاب سياسي اجتماعي جديد يقود السودان نحو افاق ارحب وأزهي وأورق وأقوي. فقد جاءت اللحظة لتجاوز الماضي الذي سجننا فيه الغابرون فالراهن يتأسس علي دقة التحليل والبيانات الماثلة والحقائق التي أطلت برؤوسها كأنها تدعونا للتحليق في فضاء اخر. نقلا عن صحيفة الأنتباهة السودانية 18/4/2010م