أنهى الرئيس الأمريكي باراك أوباما في نهاية يناير الماضي زيارته الرسمية الثانية للهند طوال فترة حكم إدارته، التي عكفت على المضي قدماً في تعميق وترسيخ العلاقات الهنديةالأمريكية التي أرستها إدارة الرئيس الديمقراطي السابق بيل كلينتون . وقد اعتمدت إدارة أوباما في ذلك على إضفاء الجانب والبعد الاستراتيجي الشامل عليها بما يفرض طابع المضي قدماً في تطويرها واستمراريتها على الإدارات الأمريكية اللاحقة له، علاوة على تنويع مجالات وقطاعات العلاقات بدلاً من ربطها بظروف سياسية معينة أو للتعامل مع تحديات وتهديدات آنية قصيرة المدى، وهو ما تكشف عنه السمات والسياسات الثنائية البينية التالية: 1- التجهيز الجيد والمتميز لهذه القمم الثنائية التي تعقد بين قيادات وزعماء البلدين بالتناوب في نيودلهيوواشنطن، والذي يرتكز على اجتماعات اللجان المتخصصة في قضايا: الأمن الثنائي والإقليمي والعالمي والتعاون الاستراتيجي بشأنها، والطاقة والتغير المناخي، والتنمية والتعليم، والتجارة والتعاون الاقتصادي، والصحة والبحث العلمي والتكنولوجيا وبراءات الاختراع . ويليها اجتماعات سنوية على مستوى وزيري الخارجية في الدولتين والتي تعقد في شهر يوليو/ تموز من كل عام، يتم فيها بحث المشكلات والعقبات التي تعترض التعاون في القضايا والمجالات السابقة وتبني الحلول اللازمة وسبل التسوية الكفيلة بالقضاء عليها، علاوة على التشاور الثنائي فيما يتعلق بالمصادر المستجدة بشأن تهديد الأمن الإقليمي والعالمي لكل من الهندوالولاياتالمتحدة ووسائل التعامل معها . 2- الإعداد والتجهيز الأمريكي الشامل للهند كحليف أمني إقليمي، خاصة في مواجهة الحلف الصيني - الباكستاني - الإيراني، والتنسيق معها في ملء الفراغ الذي يفله الخروج الأمريكي العسكري من أفغانستان وفي منطقة آسيا الوسطى والخليج العربي . فوفقاً للمنظور الاستراتيجي للولايات المتحدة وتحديدها كلاً من: باكستانوالصين وإيران التي تطمح كل منها إلى شغل الفراغ الأمني في أفغانستان عقب خروج غالبية القوات العسكرية التابعة لحلف شمال الأطلسي (ناتو) والقوات العسكرية الأمريكية، سواء بشكل منفرد أو بالتنسيق الثلاثي فيما بينها على نحو الذي وضح جلياً منذ أول سبتمبر/ أيلول 2014 . 3- قيام الولاياتالمتحدة في المقابل بمعاونة الهند على البروز كقطب إقليمي وعالمي فاعل، خاصة في ظل الطموح الهندي المتزايد للوصول لهذا الهدف . ويرتكز المسعى الهندي الحثيث على زيادة مشاركتها في منظمات المجتمع الدولي، استناداً إلى قوتها العسكرية ونجاحها الاقتصادي الذي لا يقف عند حد حجز موطئ قدم لها به، بل إنها تطمح إلى بلورة تنظيم عالمي جديد، تتوزع فيه القوة بين أقطاب متعددة، تكون هي إحداها بالطبع . وفي هذا الإطار، يعد الفوز بمقعد دائم في مجلس الأمن قبلة الطموح الهندي، الذي تحشد الهند من أجله الدعم العالمي بالتنسيق مع الولاياتالمتحدة وألمانيا، واليابان والبرازيل . كما تسعى الهند لتوسيع نطاق مشاركتها في منظمات محيطها الإقليمي كرابطة دول الآسيان . ويتوقع البعض أن تكون عضوية الوكالة الدولية للطاقة الذرية المحطة التالية لطموح الهند العالمي؛ والذي لن يتحقق بدون الدعم والمساندة الكاملة من الولاياتالمتحدة، علاوة على حسن وكفاءة استثمارها لمكانتها ودورها الفعال في مجال نشر وتجارة المواد النووية ذات الاستخدام السلمي والوقوف مع الجهود الأمريكية الخاصة بسياسات عدم الانتشار النووي العسكري أو غير السلمي في منطقة جنوب آسيا، علاوة على استخدامها الكثيف واستثمارها المكثف للبحث العلمي والتكنولوجيا في إنتاج وتوزيع أدوية ومعدات طبية رخيصة التكلفة واللازمة للعديد من الدول النامية لمحاربة الأوبئة المتفشية فيها كالإيدز، والالتهاب الرئوي والملاريا والتهاب الكبد الوبائي بأنواعه مثل بي وسي . ومن المؤكد أن التوسع والتنوع في صادرات الهند سوف ينعكس على دورها ومكانتها في منطقة التجارة العالمية . أما عن مساهمتها في المنظمات الهادفة للحد من الانتشار النووي، فإنها تعد مؤشراً مهماً لدورها العالمي في الحقبة القادمة، في ضوء اتفاق التعاون النووي الأخير يبنها وبين واشنطن والذي تم توقيعه فعلاً في عام ،2013 وعلى الرغم من أن المسعى الهندي لا ينصب على تأمين مقعد لها بالمنظمات الدولية المهمة، بصرف النظر عن الفرص المتاحة أمامها أو كيفية توظيفها للسياقات الدولية المواتية . فهي بلا شك ترغب في حماية استقلالها السياسي في المجال الخارجي، وتعارض السياسات التدخلية في شؤون دول العالم النامي كملفات حقوق الإنسان . وعلى الصعيد النووي، تسعى لتوفير هامش في حرية الحركة بقدر الإمكان، والحيلولة دون انضمام باكستان لمنظمات منع الانتشار النووي . 4- يمثل التعاون الأمني، أهم التطورات على الإطلاق في مجمل العلاقات الأمريكية - الهندية، مقارنة بما كانت عليه في ذروة الحرب الباردة . وثمة جملة من الدوافع التي ساعدت على هذا التقارب، لعل أهمها توافق مصالح الطرفين في منطقة الشرق الأوسط وجنوب شرق آسيا من ناحية، ومنطقة جنوب آسيا، والذي يرتكز على حرص الطرفين على ضمان أمن وسلامة ممرات الاتصال المائية بالمحيط الهندي، لتأمين وصول وارداتهم من الطاقة لمقابلة احتياجات اقتصادهم المتسارع النمو من ناحية، ورفض قيام دول أخرى مثل الصين وروسيا وإيران بالتواجد البحري المسلح في هذه الممرات الحيوية للدولتين معاً . وقد أكد أوباما في زيارته الأخيرة للهند على التزام إدارته بالعمل مع الهند من أجل الدفاع عن مصالحهما المشتركة في منطقة آسيا والمحيط الهادي، ونوه إلى عزم البلدين على تطوير تقنيات جديدة للدفاع المشترك، من أجل تكريس قيم الديمقراطية والسلام على المستويين الإقليمي والدولي . علاوة على اتفاق الدولتين على رفع القيود الأمريكية عن تجارة المواد والصناعات الحساسة والتكنولوجية المتجهة للهند؛ فقد تمكنت الهند خلال الفترة بين عامي 2009 و2015 من إقناع المسؤولين الأمريكيين من رفع الحظر المفروض على تصدير بعض المواد الحساسة وذات التكنولوجيا المتقدمة للهند؛ علاوة على قيام إدارة أوباما خلال عام 2014 برفع المزيد من القيود التي كانت الولاياتالمتحدةالأمريكية قد وضعتها على التعاون في المجالات الدفاعية والتجارية بينهما . وبمقتضى الاتفاقيات التي تم توقيعها بين البلدين خلال الفترة بين عامي 2009 و2014 قامت الهند بتعديل الإطار العام الذي يحكم استخدام وتصدير التكنولوجيا الأمريكية الحساسة، بما يسمح للولايات المتحدةالأمريكية برفع العديد من القيود على تصدير تلك المواد إلى الهند . وفي نهاية عام ،2014 أعلنت الولاياتالمتحدةالأمريكية، عن نيتها السماح للشركات الأمريكية بإبرام عقود توريد شحنات من الطائرات النفاثة المقاتلة إلى الهند، فضلاً عن الاستعداد الأمريكي لإجازة الإنتاج المشترك لتلك الطائرات في الهند؛ الأمر الذي يعد انقلاباً خطيراً في النهج الأمريكي لسياسات التراخيص الخاصة بإنتاج الأسلحة الأمريكية خارج دول حلف شمال الأطلسي، حيث تعد تلك السابقة الأولى من نوعها التي تسعى فيها الشركات الأمريكية بشكل جدي من أجل إبرام عقود تصنيع للمعدات والتجهيزات العسكرية الرئيسية الأمريكية في الهند . 5- التعاون الاقتصادي وزيادة معدلات التجارة البينية: هدفت الزيارة إلى زيادة ضخ الاستثمارات الأمريكية المباشرة، بما يقارب خمسة مليارات دولار سنوياً خاصة بعد أن أصبحت الهند إحدى الدول المتنافسة مع الصين واليابان ودول الاتحاد الأوروبي والبرازيل لجذب الاستثمارات الأمريكية المباشرة والتي تقدر بحوالي 500 مليار دولار سنوياً . ونظراً لتميز الهند في صناعة البرمجيات وأجهزة الحاسب الآلي ومكوناتها اتجهت الشركات الأمريكية إلى نقل جزء من مصانعها الخاصة بهذه الصناعات للهند نظراً لانخفاض أجور العمالة الفنية المتخصصة وانخفاض تكاليف التشغيل والإنتاج، مما ينعكس بدوره على سعر المنتج النهائي؛ لذا ليس من المستغرب حصول الولاياتالمتحدةالأمريكية على ثلثي صادرات الهند من البرمجيات Soft ware، والتي تنمو بمقدار 50% سنوياً . وعلى الرغم من تلك التطورات الإيجابية، إلا أن عائدات النشاط التجاري الخارجي للشركات الأمريكية، تفجر بين الحين والآخر جدلاً واسعاً، في ظل وجود قوى محلية أمريكية غير راضية عن ترحيل بعض الوظائف الأمريكية إلى أسواق العمل الرخيصة، كالهند . وفي ذات السياق، بدت التجارة الثنائية الأمريكية- الهندية خلال الفترة بين عامي 1995 و2002 محدودة النطاق مقارنة بتلك الأمريكية - الصينية، حيث تحتل الهند المرتبة الثانية بعد الولاياتالمتحدة في التجارة الخارجية للصين، بينما تأتي الولاياتالمتحدة في المرتبة الرابعة بعد كل من الصين واليابان وباكستان ودول الاتحاد الأوروبي في التجارة الخارجية للهند . فطبقاً للإحصاءات التجارية الهندية، قفز حجم التبادل التجاري بين الهند وأمريكا من 6 .5 بليون دولار عام 1995 إلى ما يقرب من 18 بليون دولار في ،2003 أي بزيادة قدرها 21% . غير أنه منذ عام 2005 قفزت معدلات التجارة البينية إلى نحو 24 بليون دولار منها نحو 16 بليون دولار صادرات من الهند للولايات المتحدة وثمانية بليونات دولار صادرات أمريكية للهند . واستمرت هذه المعدلات في الارتفاع في الفترة الزمنية بين عامي 2008 و2014 حيث تراوح إجمالي التجارة البينية بين 37 و44 بليون دولار وبفائض يتراوح بين أربعة وخمسة بلايين دولار لصالح الهند خلال ذات الفترة . ولاشك أن تنامي معدلات التجارة بين الدولتين خلال الفترة بين عامي 2008 و2014 يعزى في جانب كبير منه إلى رغبة الإدارة الأمريكية في تعزيز قدرات وإمكانات الهند كدولة حليفة في مواجهة الصين وروسيا، علاوة على نجاح عشرات الاتفاقيات الثنائية التي قامت الهندوالولاياتالمتحدةالأمريكية بتوقيعها في إطار التعاون الاستراتيجي، فيما بينهما في تيسير سبل التعاون التجاري بينهما، فضلاً عن تنامي قدرات اللوبي الهندي في الولاياتالمتحدة ونجاحه في تعزيز العلاقات الأمريكية - الهندية وإحداث نقلة نوعية بها في ظل إدارة أوباما الساعية لإقامة شبكة من الحلفاء الإقليميين المؤيدين لتوجهاتها وسياساتها الإقليمية والعالمية، وبالتالي مد فترة بقائها كقطب مهيمن على الساحتين الدولية والإقليمية في مواجهة المساعي الروسية والصينية المتصاعدة والمنافسة لها . المصادر: 1- GEORGE PERKOVICH, Toward Realistic US - India Relations ,Carnegie Endowment for International peace ,2013 . www .carnegieendowment .org/ . . ./realistic_us_india_relations .pdf . 2-US embassy in new delhi *india ، http://newdelhi .usembassy .gov/us-india-relations .html . 3- IMF, Direction Of Trade Statistics Yearbook 2007, 2013 . * باحث وأكاديمي مصري المصدر: الخليج الاماراتية 5/2/2015م