سليمان حاج إبراهيم الدوحة – «القدس العربي»: الزيارة الأخيرة لأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني لواشنطن، لعبت دورا حاسما في تقريب وجهات نظر بلاده، مع الولاياتالمتحدةالأمريكية حيال الملف السوري، وتأكيد الطرفين على ضرورة رحيل بشار الأسد لأجل تعزيز أي حل مستقبلي لهذه الأزمة التي دخلت عامها الرابع. وإن كان الرئيس الأمريكي باراك أوباما في وقت سابق خفف من حدة لهجته تجاه الرئيس السوري وضرورة رحيله، بسبب انشغال إدارته بحربها على تنظيم (الدولة الاسلامية)، فقد جدد خلال لقاء جمعه بحليفه القطري نغمته القديمة، وعزف على لحنه السابق الذي تضبطه إيقاعات محددة تدور حول تشكيل كيان سياسي جديد في دمشق يتولى زمام المرحلة المقبلة، من دون رؤوس النظام الحالي. دعم المعارضة المعتدلة خطوة أولية وخلال استقبال نزيل البيت الأبيض لضيفه القطري انتهز أوباما الفرصة ليجدد تأكيده على عدم تراجع موقف بلاده من القضية السورية، مشيرا إلى أنها ستواصل دعم المعارضة المعتدلة. وقالها هذه المرة صراحة: «لن يكون من الممكن إعادة الاستقرار الكامل إلى سوريا ما دام الرئيس بشار الأسد، الذي فقد كل شرعية، لم يغادر السلطة». أوباما الذي إلى وقت قريب كان مترددا حيال الأسد وتسوية الملف السوري الذي لم يعد على رأس أولياته خصوصا بعد المناورات الروسية التي جعلته يتراجع خطوة إلى الوراء، قال إنه تبادل مع نظيره القطري الأفكار بشأن ترجمة هذه النوايا على أرض الواقع. تأكيد قطري على دعم الشعب السوري في قضيته الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير قطر في أول زيارة له إلى البيت الأبيض منذ توليه مقاليد الحكم في يونيو (حزيران) الماضي، سعى جاهدا إلى دفع نظرائه الأمريكيين إلى التحرك وبجدية لأجل إعادة الملف السوري إلى قاطرة الأجندة الدولية بعد أن زحزح عنه مؤخرا. وقال «إن العالم لم يعد يرى ما يحدث للشعب السوري لأنه يركز فقط على تنظيم الدولة الإسلامية متناسيا الجرائم التي ترتكب هناك». وخلال مخاطبته طلبة من جامعة جورج تاون الأمريكية التي تعد الصرح الذي يتخرج منه صناع الرأي والقادة في الولاياتالمتحدةالأمريكية، كشف الشيخ تميم أن المجتمع الدولي يواجه أمرين في سوريا، «قتل نظام الأسد لشعبه، والجماعة الإرهابية». وبدا واضحا في الزيارة الرسمية لأمير قطرلواشنطن مدى التوافق مع أمريكا في الدفع نحو ثني روسيا عن إجهاض أي مشروع حل سياسي في سوريا والتأكيد على عدم استخدام موسكو حق النقض. وتدرك كل من واشنطنوالدوحة أن تسوية النزاع السوري في الوقت الحالي سوف يكون عن طريق بوابة التوافق السياسي وهما ترميان بثقلهما لتجاوز الفيتو الروسي الذي يلعب لصالح حليفه الاستراتيجي الرئيس الأسد. وتعتبر الولاياتالمتحدةالأمريكيةوقطر أنه لن يكون أخلاقيا أن يفعّل أي مشروع حل في سوريا بإشراك الرئيس بشار الأسد المتهم بارتكاب جرائم إنسانية في بلاده وتعتبران أنه يقوم بمحاولات إبادة لشعبه. محاربة داعش تبدأ من حل الأزمة السورية قطر شددت من خلال الزيارة التي قام بها أميرها الشيخ تميم إلى واشنطن على أن محاربة تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام الذي يشغل بال الرئيس باراك أوباما يبدأ من إيجاد تسوية سريعة للملف السوري ووقف نزيف الدم الذي ساهم في انتشار الإرهاب. ودعا إلى «التعامل مع الأسباب العميقة للظاهرة التي تتغذى من الدكتاتورية والأوضاع الاجتماعية والاقتصادية المتدهورة. الشيخ تميم بن حمد آل ثاني عبر عن وجهة نظر بلاده من الموضوع باستباقه زيارته إلى واشنطن بمقال نشرته صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية، أكد فيها على ضرورة عمل المجتمع الدولي على «سحب الشرق الأوسط من حافة الانهيار» مؤكدا أن «قطر جزء لا يتجزأ من المنطقة، وتهتم بشكل كبير بأمنها واستقرارها» وهي «تمثل حجر الأساس للاستقرار في بحر من الاضطراب». وذكر الأمير في مقاله على أن رسالته واضحة، ألا وهي: «يجب أن نعمل معا لسحب الشرق الأوسط من حافة الانهيار، وهذا يتطلب التزاما جريئا على أساس رؤية طويلة الأجل من العدل والأمن والسلام لجميع شعوب المنطقة». وبيّن أن «قطر على استعداد للقيام بكل ما يلزم للمساعدة في تحقيق هذه الرؤية». وأوضح الشيخ تميم، في مقاله الذي جاء تحت عنوان «رسالة قطر إلى أوباما» والذي اعتبر بمثابة خارطة طريق الدوحة تجاه القضايا الراهنة، أن «منطقة الشرق الأوسط تشهد أزمنة صعبة، مع استمرار العنف بسورياوالعراق أضيفت إليه الأزمات الجديدة في ليبيا واليمن، ناهيك عن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني المستمر «بلا هوادة». واعتبر أن هذا الوضع الذي وصفه بالسيء «سيشهد مزيدا من التدهور، خاصةً أن الدول المحبة للسلام في العالم لا تتصرف بسرعة لكبح جماح قوى الفوضى والعنف». وبيّن الأمير في السياق ذاته أن «معالجة الأسباب الجذرية للإرهاب تتطلب طريقة أعمق على المدى الطويل ونهجا أكثر استراتيجية»، مضيفا: «سيتطلب هذا الأمر من القادة السياسيين أن يكون لديهم الشجاعة للتفاوض التعددي والشامل ووضع حلول لتقاسم السلطة للنزاعات الإقليمية، وسوف يتطلب هذا الأمر محاسبة الطغاة». كما أعرب الشيخ تميم عن أسفه لأن الحرب على «الإرهاب» تساعد في بعض الحالات في الحفاظ على الدكتاتوريات الملطخة بالدماء التي ساهمت في ارتفاع هذه الحركات «الإرهابية»، معربا عن اعتقاده بأن «المعركة ضد التطرف العنيف لن تنجح إلا إذا اقتنع سكان المنطقة بالالتزام بإنهاء الأنظمة الاستبدادية من أمثال الأسد في سوريا». وحاول الشيخ تميم التأكيد على أن مسؤولية إيجاد حلول لمشاكل المنطقة ليست مناطة فقط بالولاياتالمتحدةالأمريكية، حيث حث الدول العربية للتحرك و»أن تعمل معا لإيجاد حل سياسي في سوريا». السياسات الوحشية في سوريا ومخلفاتها وزير الخارجية القطري الدكتور خالد بن محمد العطية بدوره اعتبر خلال لقائه مع جون كيري وزير الخارجية الأمريكي أن الغارات الجوية لا تكفي وحدها للقضاء على تنظيم الدولة الإسلامية، لافتاً إلى أن جوهر المشكلة في سوريا يكمن في السياسات الوحشية للنظام السوري. وشدّد على أنه لا يمكن التحالف مع نظام الأسد لمكافحة ما يسمى الإرهاب، في إشارة إلى ما يقال عن إمكانية التعاون العسكري بين الولاياتالمتحدة والنظام السوري في مواجهة تنظيم الدولة الإسلامية. وقال: «الناس في المنطقة لا تتعاطف مع تنظيم الدولة الإسلامية لكنهم يحاولون تذكير الجميع بأصل المشكلة»، ودعا إلى عدم تحويل الأنظار عن السبب الحقيقي للوضع في سوريا لأن «مقتل حوالي 300 ألف شخص، وسقوط البراميل المتفجرة التي تلقيها طائرات النظام السوري على النساء والأطفال والشيوخ دون تمييز يؤكد وحشية النظام السوري». وحاول العطية التأكيد على فظاعة ما خلفته الأزمة السورية بعد أربع سنوات منذ اندلاعها، مؤكدا أنه بعد كل هذا «لا يمكن أن نقول إنه بإمكان النظام السوري أن يكون حليفاً في محاربة المجموعات الإرهابية، فقد كان النظام بمثابة مغناطيس اجتذب تلك المجموعات الإرهابية». وفي لقاءاته ومباحثاته أكد العطية على تبعات الحرب الأهلية السورية موضحا أن: «حوالي 200 الف شخص قتلوا خلال هذه الحرب وأغلبيتهم من المدنيين، كما أن أكثر من 12.2 مليون، أي أكثر من نصف تعداد الشعب السوري وجدوا أنفسهم بحاجة إلى مساعدة أو إلى أي شكل من المعونات الانسانية»، مشيرا الى أن «3 ملايين منهم فروا من البلاد فيما وجد 7.6 مليون شخص أنفسهم مجبرين على الهروب من منازلهم، ليصبحوا لاجئين في بلادهم». واعتبر أن «هذه المأساة السورية أرخت بظلالها على الدول المجاورة التي شهدت تدفقاً هائلاً للاجئين السوريين وعلى الأخص في الأردن ولبنان وتركيا»، لافتا إلى أن «استمرار الحرب في سوريا سيؤدي إلى اتساع الأزمة الإنسانية في سوريا وانتشارها إلى ما وراء الحدود، كما سيؤثر على الاستقرار والوضع الاقتصادي ليس على الدول المجاورة فحسب، بل على العالم بأسره».