تعاني المنطقة المغاربية والشمال الأفريقي عموما من فوضى سلاح رهيبة لم تعرفها على مدى تاريخها الطويل، وقد ساهم «الربيع العربي» بشدة في انتشار هذه الظاهرة، حيث تسببت فوضى الإطاحة بأنظمة المنطقة في ضعف الدولة في كثير من البلدان وانعدامها تماما أو تكاد في ليبيا مثلا. فالأخيرة باتت مصدر تهديد لبلدان المنطقة وكذا للجيران الغربيين والأفارقة بحسب تأكيدات العديد من الخبراء والمحللين. على خطى أفغانستان وفي هذا الإطار يؤكد المحامي حازم القصوري رئيس جمعية تونس الحرة عضو التحالف الدولي للحد من الأسلحة ل «القدس العربي» على أن تكدس الأسلحة الهائل في ليبيا يشكل تهديدا للأمن العالمي بما في ذلك طبعا المنطقة العربية وذلك في ظل سعي الجماعات التي اختارت نهج الإرهاب لتطوير قدراتها من خلال الحصول على ترسانة متطورة من الأسلحة في خضم هذه الفرصة السانحة والمتمثلة في النزاعات الداخلية وإنعدام سلطة الدولة على الإقليم. ويؤكد القصوري أيضا على أن ما يحصل في شمال أفريقيا الآن يذكر بما حصل في أفغانستانوالعراقوسوريا واليمن، أين تمكن الأفراد والجماعات من الحصول على الأسلحة مستغلين ازدهار السوق السوداء أثناء النزاعات. ويضيف قائلا: «يخيم الغموض على كميات الأسلحة اللامسؤولة التي إنتقلت إلى أيادي هذه الجماعات وهنا يكمن التهديد الحقيقي للحق في الحياة، فليبيا ليست على ما يرام وعليه فإن العالم ليس على ما يرام رغم أن الحلم لا يزال ممكنا في عالم منزوع السلاح». مواجهة الإرهاب ويعتقد محدثنا أن ما تعيشه ليبيا ورغم مضاره على المنطقة فإنه لن يربك دول شمال أفريقيا في مواجهة الإرهاب خصوصا إذا تم حل ملف فوضى السلاح. ويتم ذلك برأيه من خلال التفكير الجدي في إيجاد الأطر القانونية مغاربيا لكبح التدفق، وضرب ممرات التهريب للأسلحة اللامسؤولة وتعزيز التعاون المشترك في إطار إتحاد المغرب العربي للعمل على إبرام إتفاقية بين الدول المعنية لتقنين تجارة الأسلحة وذلك لقطع الطريق على الإرهاب والجريمة المنظمة لتداول الأسلحة اللامسؤولة. ويرى محدثنا أيضا أن معاهدة تجارة الأسلحة تمثل أهم آلية دولية لكبح تقدم السلاح في العالم والمنطقة العربية وهي مشروطة، برأيه، بإرادة الدول العربية في الإنضمام. وتمثل هذه المعاهدة، في نظر عضو التحالف الدولي للحد من الأسلحة، الإطار الدولي لتنظيم التجارة الدولية بالأسلحة التقليدية وقد تم التفاوض على المعاهدة في مؤتمر عالمي برعاية الأممالمتحدة في 27 تموز/يوليو2012 في نيويورك حيث لم يتمكن المؤتمر من التوصل إلى إجماع حول النص النهائي ولذا تم عقد لقاء جديد للمؤتمر في 28 اذار/مارس 2013 وفشل أيضاً، فتقرر تحويل المعاهدة للتصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة لأن إقرارها في الجمعية العامة يحتاج إلى ثلثي الأصوات. وفي 2 نيسان/أبريل2013 وافقت 154 من 193 من الدول الأعضاء في الجمعية العامة للأمم المتحدة على نص المعاهدة وامتنع 23 عضواً عن التصويت وعارضت ثلاث دول هي إيرانوسوريا وكوريا الشمالية الصياغة الحالية للمعاهدة. وتهدف هذه المعاهدة، بحسب محدثنا، إلى منع الاتجار غير المشروع بالأسلحة التقليدية والقضاء عليه ومنع تسريبه إلى السوق غير المشروعة أو لغرض استخدام نهائي غير مأذون بما في ذلك لأفراد أو جماعات قد ترتكب أعمالا إرهابية وذلك بهدف الإسهام في تحقيق السلام والأمن والاستقرار على الصعيدين الدولي والإقليمي والحد من المعاناة الإنسانية. الجهود الدولية ويرى محدثنا أن تونس معنية مثل غيرها من بلدان العالم في المجهود الدولي لضبط السلاح وهذا ما أكدته الدبلوماسية التونسية في الاجتماع التحضيري للأمم المتحدة المنعقد من 13 إلى 17 شباط/فبراير 2012 في إطار التحضير لعقد المؤتمر الدولي في الاتجار بالأسلحة حيث أكدت خط الدبلوماسية التونسية في مؤازرة المجهود الدولي لضبط السلاح ووضع حد لفوضى السلاح الذي تتخبط فيه دول العالم خاصة وأن السلاح له تأثيرات عديدة على إنتشار الإرهاب وتغلغل التطرف وإنتشار الفقر والفساد. ويشيد القصوري بالموقف التونسي في إطار المجهود الدولي لتقنين وضبط الأسلحة لكنه ينتظر في المقابل أن تقع ترجمة هذا الموقف على أرض الواقع من خلال إنضمام تونس رسميا إلى معاهدة تجارة الأسلحة التي دخلت حيز النفاذ الفعلي في 24 كانون أول/ديسمبر 2014. ويؤكد في هذا الإطار على أن الرئيس الباجي القايد السبسي دبلوماسي وله خبرة في استشراف الواقع الدولي ويدرك أهمية الإنضمام لهذه المعاهدة التاريخية التي تصب في خانة خدمة السلام والدفاع عن الوطن من خطر الأسلحة وتجفيف منابع الإرهاب الذي يعد في صميم الإلتزامات الدولية. لذلك فهو ينتظر الكثير من الرئيس الجديد في هذا المجال والذي يتمتع بصلاحيات واسعة في مجال السياسة الخارجية وفقا للدستور التونسي الجديد، وأولى الخطوات تكون بالتعجيل في الإنضمام إلى هذه المعاهدة. الجهود العربية كما ينتظر القصوري الكثير أيضا من الجامعة العربية في هذا الإطار، خاصة وأن البلاد العربية تتخبط في فوضى السلاح حد التخمة، فالجامعة، برأيه، مطالبة بإيجاد آلية عربية كفيلة بضبط آلة القتل والدمار للإقتصاد في العنف. ويضيف قائلا: «هناك فرصة تاريخية لبلورة مقاربة عربية بخصوص الأسلحة التقليدية في إطار العمل العربي المشترك لقطع الطريق على أسياد الإرهاب والجريمة المنظمة للحيلولة دونهم والحصول على أسلحة لإذكاء النزاعات، خاصة وأن التهديدات تخيم على المنطقة العربية من قبل تنظيم الدولة أو سواه». ويضيف: «يلعب المجتمع المدني العربي دورا مفصليا في النضال من أجل دعم الصك الدولي لضبط السلاح وحث الدول العربية على الإنضمام للمجهود الدولي، وقد سجل المجتمع المدني العربي حضورا لافتا في مسارات معاهدة تجارة الأسلحة وخاصة المؤتمر الدبلوماسي المنعقد في تموز/يوليو 2012 حيث رفع الصوت العربي بخصوص خطر تدفق الأسلحة والذي أكد في المقابل على حق الدول في تقرير المصير وحق الشعب الفلسطيني المشروع في الدفاع الشرعي. آثار إيجابية ويرى المحامي التونسي أن انضمام تونس والبلدان العربية إلى هذه المعاهدة سيكون له أثر إيجابي على درب وضع حد لفوضى السلاح في اليمن وليبيا والإقتصاد في العنف في العراق و سوريا ودول عدة من أجل تجنيب المنطقة هزات دموية جديدة. ويرى أيضا أن التعاون العربي المشترك لا مفر منه خاصة وأن وضع المنطقة كارثي بعد بسط جماعات متطرفة نفوذها على أقاليم دول عربية وأصبحت تمثل تهديدا مباشرا لأمنها القومي. فلا بد، بحسب القصوري من بلورة مقاربة عربية للتصدي للجماعات المتطرفة وقطع الطريق أمام إمتلاكها ترسانة متطورة من الأسلحة التقليدية الشيء الذي يفرض التفكير بشكل جدي في معاهدة تجارة أسلحة عربية تكون الإطار العربي لضبط الأسلحة وتضع بذلك حدا للأسلحة اللامسؤولة التي يتناقلها الأفراد والجماعات المتطرفة وهي برأيه خطوة الألف ميل على درب بناء سلام في المنطقة. المصدر: القدس العربي 15/3/2015م