فى الممارسة السياسية عموماً فان اطلاق الاتهام او التقليل من قمة أمر من الأمور ،هو أسهل شئ و يعتقد العديد من خبراء العلوم السياسية ان تكتيك التشكيك أو زعزعة الثقة أو نشر الشائعات من الوسائل المتداولة فى السوح السياسية ،ويقول أحد اساتذة العلوم السياسية بجامعة الخرطوم العريقة ان السودانيين تعودوا فى تجارب عدة على اطلاق اتهامات بالتزوير على اية انتخابات سياسية او حتى نقابية من جانب الطرف الخاسر ، وقد سبق ان قال الاستاذ غازي سليمان القيادي البارز بالحركة الشعبية فى حوار أجرته معه القناة الفضائية السودانية حول ما يشاع عن تزوير جري فى العملية الانتخابية الاخيرة، أنه لو كان قد ترشح هو شخصياً وخسر الانتخابات فسوف يقول أنها مزورة !! وقد تناثرت هناك وهناك طيلة الاسبوع الماضي أحاديث عن التزوير ،بل ان الموفد الامريكي الخاص الى السودان غرايشون تلقف هذه القضية وقال انه يعلم ان هناك تزويراً قد جري فى هذه الانتخابات ،ولكن إدارته –حسب تعبيره – تغاضت عنها بسبب اهتمامها باستحقاق الاستفتاء المرتقب ! و السؤال الذى سبق ان أطلقناه كثيراً ونعيد إطلاقه هنا بشدة، ما هو السر الذى ظل كامناً وراء اطلاق هذه التهمة الخطيرة من جانب جهات عديدة – دون إظهار أى دليل مقنع ودون وضع الأمر امام الجهات القضائية المختصة ،حتى لو لم تكن عادلة كما يعتقد بعض قادة القوى السياسية ، فوضع الأمر امام القضاء حتى ولو أصدر قراراً ظالماً بالبراءة وشطب الادعاء سوف يدعم من فرضية الادعاء و يدعم اتجاه التعامل الحضاري مع مثل هذه القضايا، ويؤكد فى النهاية ان هؤلاء القادة على اية حال قاموا بواجبهم فى حدود ما هو متاح ، إذ لا يطلب أحداً من آخر تحقيق المستحيل لأن السياسة هى فن الممكن. لهذا فان الاقتصار على اطلاق التهمة فقط وتعميمها قولاً لا يمكن التعامل معه فهو بمثابة استخفاف بعقول الناس حيث لا يمكن لعاقل ان يتصور وقوع عمليات تزوير فى ظل وجود مراقبين محللين و دوليين و وكلاء مرشحين ، ولو أسقطنا الثقة عن موظفي المفوضية و المراقبين المحليين و الدوليين فكيف يجوز لنا إسقاط الثقة عن وكلاء المرشحين الذين كفل لهم القانون المبيت قرب الصناديق و السهر على حمايتها طوال ايام الاقتراع . و لو جاز لنا التشكيك فى موثوقية وكلاء المرشحين فهل يمكن ان نشكك فى كل وكلاء المرشحين ؟ جميعهم صالحهم و طالحهم و فى كافة مراكز الاقتراع على امتداد السودان الفسيح فى آلاف المراكز . إن من الواضح ان الأمر مجرد استغراب مشوب بصدمة لم تحتمله القوى السياسية التى أخفقت فحولته الى شائعة لم تجروء على إثباتها لأنها لا تستطيع أصلاً الإتيان و لو بواقعة مثبتة واحدة .و لهذا فان الأمر فى جوهره لا يعدو ان يكون متغيراً سياسياً هائلاً وقع فى السودان حيث تبدلت الاجيال و المعاقل و القناعات كأمر طبيعي ومألوف و سنة من سنن الحياة ،إذ ليس من العقول مطلقاً ان يظل حزب من الاحزاب بذات وزنه لنصف قرن من الزمان ، كما ليس من المنطقي ان تنهض اجيال مقولبة بقوالب قديمة! ان المطلوب فى الواقع التعامل مع ما استجد من متغيرات و تحديث الاحزاب لنفسها ومراجعة أوضاعها لا البحث عن مشجب قديم و بالي لتعليق الفشل . و لو قيل ان غرايشون يجامل المؤتمر الوطني بدعمه للعملية الانتخابية فهو هنا يجامل ايضاً خصوم المؤتمر الوطني المتعلقين بقشة التزوير !